يدخلوا فيه).
قال الدكتور محمد حسين الذهبي: وواضح كل الوضوح أنه يريد أن يقول إن ما في كتب التفسير من الإسرائيليات كذب لمخالفته لسفر التكوين وهو الأصل المعتمد عند اليهود أما ما في كتب التفسير فإنه يرجع إلى مصادر أخرى لا يعرف لها أصل عندهم وإنما هي من وضع زنادقتهم ... وعجيب كل العجب أن الشيخ رحمه الله يقرر في أكثر من موضع في تفسيره مثل هذا ثم يناقض نفسه فيقول في سفر التكوين تحت عنوان "سفر التكوين ليس من التوراة" ما نصه: (وسفر التكوين هذا ليس حجة قطعية فيما ذكر فيه فضلاً عما سكت عنه)
وأعجب العجب أن ترى صاحب المنار وهذا رأيه في سفر التكوين وفي التوراة يقرر أن بعض ما في التوراة يصلح تفسيراً لبعض النصوص القرآنية وذلك في أكثر من موضع ...
فمثلاً عندما فسر قوله تعالى الآية (133) من سورة الأعراف {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد ... } نراه يذكر الروايات التي أوردها بعض المفسرين في شأن الطوفان، ثم يعقب عليها ببيان بطلانها ثم يقول: (وأولى الآثار بالقبول قول ابن عباس الأول الموافق للمتبادر من اللغة ... وما عدا ذلك فمن الإسرائيليات، وأولاها بالقبول ما لا يخالف القرآن من أسفار التوراة نفسها وهو ما ننقله عنها) .. ثم ساق الشيخ رشيد ما جاء في شأن الطوفان في الفصل التاسع من سفر الخروج وفيه من الأخبار الإسرائيلية ما لا يقوم دليل على صحته مما بأيدينا من القرآن والسنة.
وقد ذكر الشيخ الذهبي أمثلة كثيرة لاستشهاده بالتوراة وجعلها تفسيراً لكلام الله تعالى.
3) لقد تجاوز الشيخ الحد في إنكار الإسرائيليات حتى أنه لينكر الأخبار الصحيحة ويزعم أنها من قبيل الإسرائيليات لمجرد غرابتها كما في قصة الجساسة والدجال ونزول عيسى عليه السلام وغير ذلك من أحاديث الفتن وأشراط الساعة:
قال: (وجملة الأقوال في حديث الجساسة أن ما فيه من العلل والاختلاف والإشكال من عدة وجوه يدل على أنه مصنوع، وأنه على صحته ليس له حكم المرفوع وكذا يقال في سائر أحاديث الدجال المشكلة). قال: (ومنه يعلم أيضاً أن يد بطل هذه الإسرائيليات الأكبر كعب الأحبار قد لعبت لعبها في مسألة الدجال "في كل وادٍ أثر من ثعلبة").
وقال بعد أن شكك في أحاديث الفتن وأشراط الساعة: (فكل حديث مشكل المتن أو مضطرب الرواية أو مخالف لسنن الله تعالى أو لأصول الدين أو نصوصه القطعية أو للحسيات وأمثالها من القضايا اليقينية، فهو مظنة لما ذكرناه، فمن صدّق رواية مما ذكر ولم يجد فيها إشكالاً فالأصل فيها الصدق، ومن ارتاب في شيء منها، أو أورد عليه بعض المرتابين والمشككين إشكالاً في متونها، فيلحمله على ما ذكرنا من عدم الثقة بالرواية لاحتمال كونها من دسائس الإسرائيليات أو خطأ الرواية بالمعنى أو غير ذلك مما أشرنا إليه).
وقد رد ما في البخاري عن أبي هريرة عن النبي ? قال: (قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة، فدخلوا يزحفون على أستاههم فبدلوا وقالوا: حطة حبة في شعرة) حيث أورده في تفسير الآية ثم علق عليه وقال: (ومنشأ هذه الأقوال الروايات الإسرائيلية ولليهود في هذا المقام كلام كثير وتأولات خدع بها المفسرون ولا نجيز حشوها في كلام الله تعالى وأقول: أن ما اختاره الجلال مروي في الصحيح ولكنه لا يخلو من علة إسرائيلية).
وقد ذكر في رده أن أبا هريرة لم يصرح بالسماع فيحتمل أنه سمعه من كعب الأحبار لأنه كان يروي عنه!!.
4) حمله هذا الإنكار للإسرائيليات على الكلام على رواة الإسرائيليات وتضعيف بعض الثقات والطعن فيهم:
وهو يخالف الجمهور في تعديل كعب رحمه الله بل ويقسوا عليه في العبارة كما قال بعد رواية لكعب في شأن الدجال: بمثل هذه العبارات كان كعب الأحبار يغش المسلمين ليفسد عليهم دينهم وسنتهم وخدع به الناس لإظهاره التقوى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
ويقول عن وهب: (أنا أسوأ ظناً فيه على ما روى من كثرة عبادته ويغلب على ظني أنه كان له ضلع مع قومه الفرس الذين كانوا يكيدون للإسلام والعرب ويدسون لهم من باب الرواية ومن طريق التشيع).
وقال: (وقد هدانا الله من قبل إلى حل بعض مشكلات أحاديث أبي هريرة المعنعنة على الرواية عن كعب الأحبار الذي أدخل على المسلمين شيئاً كثيراً من الإسرائيليات الباطلة والمخترعة وخفي على كثير من المحدثين كذبه ودجله لتعبده).
بل وصف كعباً ووهباً بأنهما شر رواة الإسرائيليات أو أشدهم تلبيساً وخداعاً للمسلمين.
5) مع كل ما سبق فقد وقع الشيخ محمد رشيد رضا فيما كان يحذر منه من ذكر الإسرائيليات في التفسير:
كما في قوله {فقلنا اضربوه ببعضها} قال: (ويروون في هذا الضرب روايات كثيرة ... ) ثم ذكر الأقوال وكما أورد في قصة التابوت عن وهب بعض القصص الإسرائيلية.
الاسرائيليات وموقف المعاصرين منها
ـ[مرهف]ــــــــ[14 May 2003, 04:22 م]ـ
بسم الله:
الأخ فهد جزاك الله خيراً على هذه الدراسة المفيدة التي تصلح لأن تكون رسالة علمية بعنوان (ضوابط رواية الإسرائيليات في التفسير) إذ شروط رواية الإسرائيليات من الناحية العملية أكثر في عمل المفسرين من الناحية النظرية،وأسأل الله أن يبارك في جهدك وتسرع بالأقسام الأخرى، ولكن لي بعض الاستيضاحات:
لم تعطنا تعريفاً معتمداً للإسرائيليات حسب المنهج الذي مشيت عليه من مقارنة تعريف الإسرائيليات من الكتب التي اعتمدت عليها وخاصة تعريف أبو شهبة في كتابه عن الإسرائيليات.
بالنسبة لعمل الألوسي من خلال إشاراته المستفادة من القصص الإسرائيلية، ألا يمكن اعتبار هذه القصص من القصص التي يستفاد منها أموراً تربوية، فإننا نفرق بين القصص التربوية التي قد ينسجها أحدنا لولده من الخيال ليعلمه خلقاً من هذه القصة، وهي غير القصص التاريخية التي ينبغي التثبت فيها، فبطلان القصة لا يعني عدم الاستفادة من بعض اللفتات التربوية التي قد تقدح في الذهن عند سماعها، فما رأيك بهذا الكلام.
ثم ما رأيكم بفعل ابن كثير في البداية والنهاية عندما فسر الآيات الواردة في قصص الأنبياء من كتب أهل الكتاب أم أنه يجوز استخدام الإسرائيليات في التاريخ ولا يجوز في التفسير؟
¥