قدوة صالحة للباحثين في الجدية والدقة والمسئولية العلمية أمام الأمة، فإنهم يمثلون - شاؤوا ذلك أم أبوا - هذا التخصص بكل ما يتبادر إلى ذهن السامع من جلالة القرآن الكريم، وسعة علومه، وبركة الاشتغال به. فليكونوا قدوات صالحة رحمهم الله.
وأما مسألة المسائل العلمية المشتركة بين العلوم التي أثارها الدكتور مساعد الطيار والأخ أبو حاتم في تعقيبه فهي مسألة مهمة لا تخلو منها ثقافة، ولا يسلم منها علم من العلوم، وإنما يبني بعض الباحثين على بناء بعض، ومن الذي يفترع العلوم افتراعاً ثم لا يترك لغيره موضعاً للاستدراك؟ الجواب: لا أحد. ولا تقل: فعلمُ العروض؟ لأنني سأقول: حتى علم العروض فيه مجال للاستدراك وقد كان.
لكن دعنا في المسائل المشتركة بين الأصول وعلوم القرآن.
هذه المسألة مهمة، وينبغي النظر إلى الأمر نظرة أوسع، وذلك من خلال اعتبار النقاط التالية:
- أن علم أصول الفقه ليس خاصاً بالأحكام الفقهية الشرعية فحسب، وإنما هو قواعد نافعة لضبط العلوم والفهوم. وبالتالي لا يقصر اعتبار أصول الفقه على الفقه، ويعد دخولها في علوم القرآن مقبولا سائغاً وهذا ما صنعه العلماء قديماً وحديثاً، وتأمل مصادر الباحثين المعاصرين في علوم القرآن في مباحث (العموم والخصوص) والمطلق والمقيد، والأمر والنهي وغيرها تجدها كلها كتب أصول الفقه. وهذا ما فصله الدكتور مساعد في مقاله البديع أعلاه.
- أن هناك دوائر تقاطع واسعة بين العلوم الشرعية لا يمكن إغفالها، ولا ادعاء أن هذا العلم أولى بها من ذاك، فميدان البحث الشرعي واللغوي مشترك.
- أن التخصص بمعناه الضيق المعاصر لم يظهر إلا متأخراً، وبالتالي فإن الحديث عن مناهج الأصوليين، ومناهج المفسرين في كثير من مواضعه، حديث عن شخص واحد كتب في التفسير وفي الأصول وفي غيرها من العلوم، وثقافته واحدة لا تتجزأ، فقد كان يوظف علومه في كل مصنف يكتبه.
وبالتالي فإن الجانب المهم الذي أشار إليه العالم الجليل الدكتور مساعد الطيار في بحثه السابق عن الجوانب التي أغفلها الباحثون في مبحث العموم والخصوص في القرآن الكريم وهي جديرة بالبحث والتأمل لوفرتها وغزارتها هي التي ينبغي إن ينبه عليها، ويتجه الباحثون إلى إبرازها وإظهارها، ولم يمنع الدكتور مساعد الطيار الاستفادة مما كتبه الأصوليون، وإنما نبه إلى أنهم لم يتعرضوا لبعض المسائل المهمة التي ينبغي إن تذكر في كتب علوم القرآن، ولانشغال المؤلفين في علوم القرآن بنقل هذه المسائل من كتب الأصوليين، وربما لثقتهم في عقول أهل الأصول ودقتها- كما يشيعون عنهم دائماً، وهذا صحيح في بعضهم دون بعض - لم يتعقبوهم في شيء مما ذكروه في هذه المباحث. وقد تنبه الدكتور محمد العروسي عبدالقادر في كتابه (المسائل المشتركة بين أصول الفقه وأصول الدين) إلى طرف من هذا، غير أنه لم يزد في كتابه على تتبع العناوين المشتركة بين العلمين، ثم أعاد تكرار ما قالوه فيها، ولم ينبه على ما نبه إليه الدكتور مساعد الطيار في بحثه هذا، ولو فعل لأتى بجديد مفيد.
أتوقف عند هذا لضيق الوقت الآن، وأدعو بقية الإخوة الباحثين في الملتقى العلمي إلى العناية بهذه المقالة، وإعطائها حقها وحظها من التدبر والدرس، فهي مليئة بالفوائد أحسن الله إلى كاتبها، كما أحسن إلينا معشر القراء الصغار (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[19 Feb 2006, 08:21 ص]ـ
هذا بحث ممتع ليت أحد الباحثين يتجرد لبيانه وتتبع مسائله بطريقة تحليلية دقيقة. وأحب أن أشير إلى أن العلوم الشرعية وعلوم الآلة متداخلة في كثير من مباحثها، ولذلك يقول الزكشي في مقدمته لكتابه البحر المحيط في أصول الفقه:
(فإن قيل: هل أصول الفقه إلا نبذ جمعت من علوم متفرقة؟ نبذة من النحو كالكلام على معاني الحروف التي يحتاج الفقيه إليها، والكلام في الاستثناء، وعود الضمير للبعض، وعطف الخاص على العام ونحوه، ونبذة من علم الكلام كالكلام في الحسن والقبح، وكون الحكم قديماً، والكلام على إثبات النسخ، وعلى الأفعال ونحوه، ونبذة من اللغة كالكلام في موضوع الأمر والنهي، وصيغ العموم والمجمل والمبين، والمطلق والمقيد، ونبذة من علم الحديث كالكلام في الأخبار.
¥