والجواب عن السؤال الأول: ــــ وهو أهو تعجب، أو تعجيب ــــ: فقد اختلف فيه المفسرون؛ فمنهم من رأى أنه تعجب من الله عز وجل؛ لأنه المتكلم به هو الله؛ والكلام ينسب إلى من تكلم به؛ ولا مانع من ذلك لا عقلاً، ولا سمعاً ــــ أي لا مانع يمنع من أن الله سبحانه وتعالى يعجب؛ وقد ثبت لله العجب بالكتاب، والسنة؛ فقال الله تعالى في القرآن: {بل عجبتُ ويسخرون} [الصافات: 12] بضم التاء؛ وهذه القراءة سبعية ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ والتاء فاعل يعود على الله سبحانه وتعالى المتكلم؛ وأما السنة ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَرِه» (2)؛ وعلى هذا فالعجب لله ثابت بالكتاب، والسنة؛ فلا مانع من أن الله يعجب من صبرهم؛ فإذا قال قائل: العجب يدل على أن المتعجب مباغَت بما تعجب منه؛ وهذا يستلزم أن لا يكون عالماً بالأمر من قبل ــــ وهو محال على الله ــــ؟
فالجواب: أن سبب العجب لا يختص بما ذكر؛ بل ربما يكون سببه الإنكار على الفاعل، حيث خرج عن نظائره، كما تقول: «عجبت من قوم جحدوا بآيات الله مع بيانها، وظهورها»؛ وهو بهذا المعنى قريب من معنى التوبيخ، واللوم؛ ومن المفسرين من قال: إن المراد بالعجب: التعجيب؛ كأنه قال: اعجب أيها المخاطب من صبرهم على النار؛ وهذا وإن كان له وجه لكنه خلاف ظاهر الآية.
وأما الجواب عن السؤال الثاني:- وهو كيف يتعجب من صبرهم مع أنهم لم يصبروا على النار – فقال أهل العلم: إنهم لما صبروا على ما كان سبباً لها من كتمان العلم صاروا كأنهم صبروا عليها، مثلما يقال للرجل الذي يفعل أشياء ينتقد فيها: ما أصبرك على لوم الناس لك مع أنه ربما لم يلوموه أصلاً؛ لكن فعل ما يقتضي اللوم؛ يصير معنى: {ما أصبرهم على النار} أنهم لما كانوا يفعلون هذه الأفعال الموجبة للنار صاروا كأنهم يصبرون على النار؛ لأن الجزاء من جنس العمل، كما تفيده الآيات الكثيرة، فيعبر بالعمل عن الجزاء؛ لأنه سببه المترتب عليه؛ و {النار} هي الدار التي أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين والظالمين؛ لكن الظلم إن كان ظلم الكفر فهم مخلدون فيها؛ وإن كان ظلماً دون الكفر فإنهم مستحقون للعذاب بحسب حالهم.
وذكر من فوائدها: إثبات العجب لله سبحانه وتعالى؛ لقوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} ــــ على أحد الاحتمالين ــــ؛ وهو من الصفات الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته؛ وكل صفة من صفات الله تتعلق بمشيئته فهي من الصفات الفعلية.
فإذا قال قائل: ما دليلكم على أن العجب يتعلق بمشيئته؟
فالجواب: أن له سبباً؛ وكل ما له سبب فإنه متعلق بالمشيئة؛ لأن وقوع السبب بمشيئة الله؛ فيكون ما يتفرع عنه كذلك بمشيئة الله.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[08 Jun 2003, 12:58 ص]ـ
بسم الله
هذه بعض الاستنباطات من آيات القرآن الحكيم:
- يؤخذ من خبر أصحاب القرية التي كانت خاضرة البحر التي وردت في سورة الأعراف = أن الداعية الذي يريد الإصلاح لا يكتفي بإقامة الحجة على المدعويين فقط؛ بل إن السعي لإصلاح المجتمع وتغيير المنكر يستهدف مصلحتين: أولاهما: مصلحة الداعي نفسه، وهي الإعذار إلى الله تعالى من خلال القيام بمسؤليته الشرعية في النصح والإبلاغ.
والثانية: مصلحة للمدعو، وهي الرجوع عن الباطل إلى الحق. وقد جمع الصالحون من أهل القرية هذين المعنيين في ردهم على الذين أرادوا تثبيط هممهم، فقالوا: (معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون).
ومن هنا يتبين لنا قصور الذين يكتفون في الإصلاح والنصيحة بهدف واحد وهو: الإعذار إلى الله تعالى، ولا يحرصون على بذل الوسع في تحقيق الأمر الثاني، وهو الحرص على رجوع العاصي إلى الحق.
فقد يكون هناك من يقع في المنكر، ويأتي إليه أحدنا وينصحه ويدعوه إلى الخير، ويكتفي بذلك؛ لأن هدفه إبراء الذمة والإعذار إلى الله تعالى. وهذا لا يكفي. فكل واحد يمكنه أن يقوم بهذا الإعذار بأي وسيلة. ولكن العبرة بالحرص على هداية الناس ببذل الوسائل الممكنة والمناسبة لتحقيق هذا الهدف. [مقتبسة من مقال في مجلة المنار الجديد العدد22 ص 27 لمحمد بن المختار الشنقيطي.]
- ومن لطائف الاستنباطات ودقيقها ما أورده السهيلي في كتاب الإعلام بما أبهم من الأسماء والأعلام في القرآن الكريم بقوله: (في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام (وناديناه من جانب الطور الأيمن) وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر) والمكان المشار إليه واحد = قال ملخصه: (ووجه الفرق بين الخطابين أن الأيمن مشتق من اليمن، وهو البركة؛ فلما حكاه عن موسى في سياق الإثبات أتى بلفظه، ولما خاطب محمداً صلى الله عليه وسلم في سياق النفي عدل إلى لفظ الغربي لئلا يخاطبه فيسلب عنه لفظاً مشتقاً من اليمن،رفقاً بهما في الخطاب، وإكراماً لهما.) هذا حاصل ما ذكره وهو أصل عظيم في الأدب في الخطاب. انظر البرهان للزركشي 4/ 55 بتحقيق المرعشلي.
¥