ومن ذلك قوله تعالى: {أكان للناس عجبًا أن أوحينا إلى رجل منهم} [يونس:2] 0 أي: جعلوا ذلك أعجوبة لهم، يتعجبون منها، ونصبوه علمًا لهم، يوجهون نحوه استهزاءهم، وإنكارهم0 ولهذا أنكر الله تعالى عليهم ذلك، فجاء بصيغة الاستفهام الإنكاري، التي تفيد التقرير: {أكان للناس عجبًا؟!}.
ومن (العجيب) قوله تعالى حكاية عن سارة امرأة إبراهيم- عليه السلام-: {قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخًا إن هذا لشيء عجيب} [هود:72] 0 أي: أن يولد ولد من شيخين هرمين خلافًا للعادة، التي أجراها الله تعالى في العباد؛ فهذا شيء يدعو إلى العجب والدهشة0 ولهذا تعجبت سارة مستبعدة حدوث ذلك0
ومن (العُجاب) قوله تعالى: {وعجبوا أن جاءهم منذر وقال الكافرون هذا ساحر كذاب* أ جعل الآلهة إلهًا واحدًا إن هذا لشيء عجاب} [ص:4 - 5] 0 أي: بليغٌ في العجب0 وقرأالسُّلَمِيُّ: {لشيءٌ عُجَّاب}، بالتشديد؛ وهو- كما قال الزمخشري- أبلغ من المخفف.
وقال قتادة: هي لغة لأزد شنوءة00 والعرب تقول: هذا رجل كريم، وكرَّام، وكُرَام0
ويعرف علماء البلاغة التعجب بأنه تعبير عن شعور داخلي، تنفعل به النفس حين تستعظم أمرًا نادر الحدوث0 أو: لا مثيل له0 أو: خارقًا للعادة، خفيُّ السبب، مجهول الحقيقة0 فهو (استعظام الشيء مع خفاء السبب) 0 وما لم يجتمع هذان الشرطان، لا يكون تعجبًا عندهم0
ثانيًا- وللتعجب أساليب كثيرة: منها ما يقتصر معناه على التعجب0 ومنها ما يتضمن مع التعجب معنى آخر؛ كالتنزيه، والمدح، والذم00 وغير ذلك من المعاني التي تفهم من السياق0 وتنحصر هذه الأساليب في نوعين: أحدهما سماعي0 والآخر قياسي0 والقياسي له صيغتان: ما أفعله0 وأفعل به0
ومن الصيغة الأولى قولهم: ما أحسن زيدًا، وأكرمه00 وجعل بعضهم من ذلك قوله تعالى: {فما أصبرهم على النار} [البقرة:175]، وقوله تعالى: {قتل الإنسان ما أكفره} [عبس:17] 0
ومن الصيغة الثانية قولهم: أحسن بزيد، وأكرم به0 وجعل بعضهم من ذلك قوله تعالى: {أبصر به وأسمع} [الكهف:26]، وقوله تعالى: {أسمع بهم وأبصر} [مريم:38] 0
واختلف النحاة والمفسرون في تأويل هاتين الصيغتين على أقوال؛ أشهرها: قول جمهور البصريين0 وهو أن معنى: ما أحسن زيدًا، وأكرمه: شيء جعل زيدًا حسنًا، وكريمًا. وهذا الشيء الذي جعله حسنًا، وكريمًا موجود فيه، لا يمكن تحديده، أو تخصيصه؛ لأنه مجهول الحقيقة0 ولهذا تعُجِّب منه0 هذا رأي الخليل وسيبويه، وقد علَّل له ابن
السراج بقوله:" لأنك، لو خصصت شيئًا، لزال التعجب؛ لأنه إنما يراد به أن شيئًا قد فعل فيه هذا، وخالطه، لا يمكن تحديده، ولا يعلم تلخيصه0 والتعجب كله؛ إنما هو مما لا يعرف سببه0 فأما ما عرف سببه فليس من شأن الناس أن يتعجبوا منه0 فكلما أبهم السبب، كان أفخم، وفي النفوس أعظم "0
وأما- أحسن بزيد، وأكرم به- فأصله عندهم: حسُن زيد0 ثم أدخلت عليه همزة الصيرورة، فصار: أحسنَ زيدٌ0 ثم نقلت صيغة الماضي إلى الأمر لإنشاء التعجب، فصار: أحسنْ زيدٌ0 ثم أدخلت الباء زائدة في الفاعل إصلاحًا للفظ، فصار: أحسنْ بزيد0 ولزمت الباء الفاعل لمعنى التعجب0
فإذا قلت: ما أحسن زيدًا، وأحسن بزيد، فأنت تتعجب من شيء، جعل زيدًا حسنًا0 وهذا الشيء مجهول السبب0 ولهذا ذهب أكثر العلماء إلى أنه لا يجوز إسناد العجب إلى الله تعالى، ووصفه سبحانه بأنه يعجب0 وكان هذا سببًا في اختلافهم في تأويل ما ورد في القرآن الكريم، والحديث الشريف من أقوال ظاهرها إسناد التعجب إلى الله تعالى، ووصفه سبحانه بأنه متعجب0
فمن ذلك قوله تعالى: {فإن تعجب فعجب قولهم} 0 قيل في تفسيره:" إن تعجب يا محمد من قولهم فهو أيضًا عجب عندي "0 وقال الزمخشري:" إن تعجب يا محمد من قولهم في إنكار البعث، فقولهم عجيب حقيق بأن يتعجب منه "0 ثم وصف قولهم بأنه أعجوبة من الأعاجيب. وحكى الرازي عن المتكلمين قولهم:" العجب هو الذي لا يعرف سببه؛ وذلك في حق الله محال0 فكأن المراد: إن تعجب يا محمد فعجب عندك "0
¥