شاع في كثير من بلاد المسلمين إقامة و نصب التماثيل لأشخاص يرونهم عظماء و نجباء، و قد أعان على ذلك ما أفتى به بعض المعاصرين من إباحة ذلك الفعل الوارد النهي عنه و تحريمه بأقوى الدلالات على التحريم، مثل قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح المتفق عليه: " إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون "،
- قال ابن العربي: [حاصل ما في اتخاذ الصور أنها إن كانت ذات أجسام حرم بالإجماع]، ذكره ابن حجر في " فتح الباري "، و قوله هذا محمول على ما كان للأجسام ذات الأرواح، كما أوضحه ابن حجر:
- حيث قال - في شرح حديث ابن عباس: سمعت محمدا صلى الله عليه و سلم يقول: " من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح، و ليس بنافخ "، رواه البخاري -: (كذا أطلق و ظاهره التعميم فيتناول صورة ما لا روح فيه، لكن فهم ابن عباس من بقية الحديث التخصيص بصورة ذات الأرواح من قوله " كلف أن ينفخ فيها الروح " فاستثنى ما لا روح فيه كالشجر).
-
- **************************
- و إنما استحلوا ذلك الفعل بدعوى قصر التحريم و تخصيصه بما إذا كانت للعبادة، و بما إذا كانت بقصد مضاهاة خلق الله في تلك الأشكال للمخلوقات، اما ما لم يكن بغرض العبادة، و كذا ما لم يكن بقصد المضاهاة فلا يحرم بزعمهم و ادعائهم، و هو تعليل بعلة لم ينص و لم يدل عليها الشرع بدليل، و تخصيص بغير مخصص، و هذا و ذاك لا يصحان و لا يجوزان، على ماهو معروف في علم الأصول.
• و قد جاءت الأحاديث بالوعيد بالعذاب الشديد على ذلك الفعل، و منها:
• 1 - ما جاء في مسند الإمام أحمد بن حنبل (ج1/ص 407):
•
• [ح 3868] حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الصمد ثنا أبان ثنا عاصم عن أبي وائل عن عبد الله ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أشد الناس عذابا يوم القيامة: رجل قتله نبي أو قتل نبيا، وإمام ضلالة، وممثل من الممثلين ".
• و الممثلين هنا: هم ما يسمون بالمثالين – بتشديد الثاء – في زمننا هذا. ا.
• و لفظ " الممثلين " – الوارد في الحديث - جاء على سبيل العموم، لمجيئه بلفظ من ألفاظه، و هو: المعرف بأل الاستغراقية، و لم يقم دليل على تخصيص ذلك الوعيد بالعبادة أو غيرها، فيظل على عمومه حتى يقوم الدليل المغير و المبيح – على ما هو مقرر في أصول الفقه – و لا دليل هنا، و المماري عليه الدليل. هذا من ناحية.
*********************************
و عليه فغير صحيح ما تعقب به على الحافظ ابن حجر - مما نقل في أعلاه عن محرري " الموسوعة الفقهية " - في علة تحريم التماثيل: [قال ابن حجر: كان ذلك جائزا في شريعتهم , وكانوا يعملون أشكال الأنبياء والصالحين منهم على هيئتهم في العبادة ليتعبدوا كعبادتهم. وقال أبو العالية: لم يكن ذلك في شريعتهم حراما. وقال مثل ذلك الجصاص. قال ابن حجر: ولكن ثبت في الصحيحين {أن أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأينها بأرض الحبشة , فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم أولئك قوم كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا , وصوروا فيه تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند الله}. قال: فإن ذلك يشعر بأنه لو كان جائزا في شريعتهم ما أطلق على الذي فعله أنه شر الخلق , هكذا قال. لكن الأظهر أنه ذمهم لبناء المساجد على القبور , ولجعلهم الصور في المساجد , لا لمطلق التصوير , ليوافق الآية , والله أعلم]. انتهى الاقتباس.
**************************
* و ذلك النقل و العزو إلى ابن حجرتعوزه الدقة، بل الصحة: فأوله مناقض لآخره: ففي أوله: " كان ذلك جائزا في شريعتهم ". و في آخره: " فإن ذلك يشعر بأنه لو كان جائزا في شريعتهم ما أطلق ".
- و إنما ذكر الأول جوابا لما أشكل من الجمع بين تلك الآية و ذلك الحديث، فقال: و الجواب أن ذلك كان جائزا في تلك الشريعة ......... ثم قال: و يحتمل أن يقال إن التماثيل كانت على صورة النقوش لغير ذات الأرواح، و إذا كان اللفظ محتملا لم يتعين الحملعلى المعنى المشكل (و ذكر قصة كنيسة الحبشة ذات التصاوير، مما ذكرته الموسوعة)،
¥