ثم قال: [[فدل على أن فعل صور الحيوان فعل محدث أحدثه عباد الصور. و الله أعلم]].
* و مقتضى قوله هذا أنه يرى أن عمل التماثيل لم يكن جائزا في شرعهم لذاته و للعبادة أيضا،
أما تعقبهم لرأيه هذا - بقولهم: (. لكن الأظهر أنه ذمهم لبناء المساجد على القبور , ولجعلهم الصور في المساجد , لا لمطلق التصوير , ليوافق الآية , والله أعلم]) – فغير صحيح كذلك:
فما قاله الإمام ابن حجر هو الأصح، بل هو الصحيح، و مخالفيه خالفهم التوفيق، و صحيح أن الذم لحقهم لبنائهم القبور على المساجد و كذا لجعلهم الصور في المساجد – كما جاء في " الموسوعة الفقهية " – و لكن نفي كون الذم على مطلق التصوير غير صحيح:
-
- أولا: - لأن عمل الصورة معصية في ذاته – كما قاله الإمام أبو بكر بن العربي في كتابه " أحكام القرآن " في تفسيره الآية، و هو ما نقله الشيخ د. أبو مجاهد العبيدي أعلاه – قال: (نهي عن الصورة , وذكر علة التشبيه بخلق الله , وفيها زيادة علة عبادتها من دون الله , فنبه على أن نفس عملها معصية , فما ظنك بعبادتها).
-
- ثانيا: – ما دلت عليه الأحاديث الصحيحة عن ابن عباس – رضي الله عنهما – من النهي و الوعيد الشديد على مجرد عمل الصورة – المجسدة لذوات الأرواح – و من ذلك:
- 1 - ما جاء في صحيح البخاري (ج2/ص775):
- 104 باب بيع التصاوير التي ليس فيها روح وما يكره من ذلك
-
- حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب حدثنا يزيد بن زريع أخبرنا عوف (عن سعيد بن أبي الحسن قال: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير، فقال بن عباس: لا أحدثك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعته يقول: " من صور صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبدا ".
- فربا الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه، فقال [يعني: ابن عباس]: ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر كل شيء ليس فيه روح.
- قال أبو عبد الله سمع سعيد بن أبي عروبة من النضر بن أنس هذا الواحد).
- أي: الحديث. ذكره ابن حجر في الفتح.
-
2 - ما جاء في صحيح مسلم (ج3/ص1670):
-
- قال مسلم قرأت على نصر بن علي الجهضمي عن عبد الأعلى بن عبد الأعلى حدثنا يحيى بن أبي إسحاق عن سعيد بن أبي الحسن قال: (جاء رجل إلى بن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصور فأفتني فيها. فقال له: ادن مني. فدنا منه، ثم قال: ادن مني. فدنا حتى وضع يده على رأسه، قال:أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
-: " كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم ".
- وقال [يعني: ابن عباس]: إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له.
- فأقر به نصر بن علي).
3 – و جاء في المعجم الكبير (ج12/ص164)
12772 حدثنا بشر بن موسى ثنا هوذة بن خليفة ثنا عوف عن سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند بن عباس إذ أتاه رجل فقال إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي وأنا أصنع هذه التصاوير فقال بن عباس لا أجد لك إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صور صورة فإن الله يعذبه يوم القيامة حتى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها أبدا قال فربا لها الرجل ربوة شديدة واصفر وجهه ثم قال ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح
12773 حدثنا حفص بن عمر بن الصباح الرقي ثنا قبيصة بن عقبة ثنا سفيان عن عوف عن سعيد بن أبي الحسن عن بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
4 – و كذا ما حاء في مسند أحمد بن حنبل:
3394 حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا إسماعيل ومحمد بن جعفر قالا ثنا عوف عن سعيد بن أبي الحسن قال بن جعفر حدثني سعيد بن أبي الحسن قال كنت عند بن عباس وسأله رجل فقال يا بن عباس إني رجل إنما معيشتي من صنعة يدي وإني أصنع هذه التصاوير قال فإني لا أحدثك إلا بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من صور صورة فإن الله عز وجل معذبه يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وليس بنافخ فيها أبدا قال فربا لها الرجل ربوة شديدة فاصفر وجهه فقال له بن عباس ويحك إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر وكل شيء ليس فيه روح
*******************************
** فدلت تلك الأحاديث الصحاح – و بخاصة ذلك الحديث المتفق عليه عند البخاري و مسلم – أن الحرمة في عمل التماثيل المجسدة لذوات الأرواح عامة، و ليست خاصة بما إذا كانت لغرض العبادة، و لا بما إذا كانت بقصد مضاهة خلق الله، فذلك الرجل كان يصنعها و يعملها ليتكسب بها معيشته و ينمي ماله، و كان نجارا يتكسب من صنعة يده تلك، فنهاه ابن عباس – حبر الأمة – عن عمل كل ما له روح،
... و هذه الأحاديث نص في المسألة، فيجب المصير إليها، و لا اجتهاد في مقابلة النص، و كل قول مخالف للنص الصحيح مردود، و كل اجتهاد مخالف للنص مرفوض كذلك.
و عليه: فعمل التماثيل المجسمة – لذوات الأرواح – معصية كبيرة، و محرم لذاته، و حرمته عامة في كل حال، و ليست خاصة بما إذا كانت لغرض العبادة أو بقصد المضاهاة، و المماري عليه الدليل.
و قد استثني منه لعب البنات الصغيرة لورود الدليل.
- و عمل تلك التماثيل محرم في شرعنا بالإجماع – كما نقل عن أبي بكر بن العربي – و هو كذلك في شرع قوم سليمان عليه السلام و في شرع غيرهم – كما قال ابن حجر – و إذا صح ذلك، لما تقدم، و إذا تقرر: فلا نسخ لقوله تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام: {و يعملون له ما يشاء من محاريب و تماثيل} الآية،
هذا، و الله تعالى أعلم و أحكم
- و نعود للسؤال عن جواب الإشكال المذكور في المشاركة المتقدمة، فمن يجيب؟
-
كتبه
د. أبو بكر بن عبد الستار بن محمد آل خليل
مصر
¥