تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويعتبر الدكتور مصطفى زيد أكثر مَن تعرض لقضايا النسخ وناقشها، وقرر في النهاية أن الآيات التي صحت فيها دعوى النسخ لاتزيد عن ست آيات (33).

أمَّا الزرقاني - رحمه الله - فقد تعرض لثنتين وعشرين واقعة، قَبِلَ النسخ في اثنتي عشرة واقعة منها (34).

وقد قام أحد الباحثين بدراسة هذه القضية دراسة متأنية، وبيّن أن الآيات التي ثبت عنده نسخها تسع آيات، دخلها النسخ في سبعة موضوعات، ولم يجد آية اتفق على نسخها غير آية تقديم الصدقة لأجل النجوى بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمَّا غيرها من الآيات ففيها خلاف.

ثُمَّ قال: (وقد ظهر لي من خلال البحث أن من أسباب الخلاف في النسخ عدم الاتفاق في مدلوله بين المؤلفين في الناسخ والمنسوخ، وقد أشار إلى ذلك جملة من المؤلفين في الناسخ والمنسوخ، وممن أبرز ذلك الجانب الإمام الشاطبي في موافقاته.

وقد نقل عنه الدكتور مصطفى زيد - رحمه الله تعالى - جملاً مفيدة في ذلك.

كما تبيّن لي أن المؤلفين في الناسخ والمنسوخ بين إفراط وتفريط فكثير منهم عدّ من النسخ ما ليس بنسخ، كالتقييد والتخصيص والإجمال، فلذلك جعلوا آية السيف بمفردها ناسخة لأكثر من مائة آية.

وقلة من العلماء منعوا النسخ وأغلبهم معاصرون.

وقلة من العلماء توسطوا وقبلوا النسخ بشروطه، وميزوا بينه وبين التقييد والتخصيص، وعلى رأس هؤلاء الإمام الشافعي - رحمه الله تعالى - واضع أول تأليف بين أيدينا في الأصول.

وممن سار على منهج الاعتدال إمام المفسرين ابن جرير الطبري، فإن فهمه في تفسيره رائع، وهو عمدة في هذا الباب.

وكذلك الإمام ابن عبدالبر في التمهيد، وقد أوضح ذلك صاحب رسالة ابن عبدالبر وجهوده في أصول الفقه (35)، فقد نقل عنه نقولاً، وقد تتبعتها في التمهيد، فوجدت عنده التوسط بين الإفراط والتفريط، ومن العبارات التي تعتبر منهجاً في هذا الباب عبارة ابن عبدالبر - رحمه الله تعالى - حيث قال: قال أبو عمر: والصحيح في النظر عندي: أن لايحكم بنسخ شيء من القرآن إلاَّ ما قام عليه الدليل الذي لا مدفع له ولايحتمل التأويل (36).

وهذه الكلمة في غاية الإتقان والدقة في إعطاء الدارس لهذا الموضوع الصعب منهجاً يسير عليه في قبول النسخ ورفضه، وهي عبارة جامعة مع قلة ألفاظها، رحمه الله رحمة واسعة) (37) ا هـ.

وعبارة ابن عبدالبر السابقة سوف تأتي إن شاء الله في مبحث قواعد وضوابط في موضوع النسخ مع ذكر أمثلة عليها.

الأمر الخامس: ذكر ابن عبدالبر مثالاً على ما نسخ حكمه وبقي رسمه وخطه وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240] نسختها {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا (} [البقرة: 234].

ثُمَّ قال: (وهذا من الناسخ والمنسوخ المجتمع عليه) ا هـ.

والصحيح أنه قد وقع اختلاف بين العلماء في هاتين الآيتين (38)، فالجمهور على أن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية، حيث كانت العدة في الجاهليَّة وأول الإسلام حولاً، ثُمَّ نسخت بأربعة أشهر وعشراً (39).

وقالت جماعة: الآية غير منسوخة، والنص القرآني لم يصرح بالعدة، وإنَّما قال ذلك متاع لها إن أرادت سبعة أشهر وعشرين ليلة تقضيها في البيت، فالواجب في العدة أربعة أشهر وعشراً، وما زاد إلى الحول فهو وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت.

وهذا القول الثاني نسبه ابن جرير - رحمه الله - إلى مجاهد حيث قال ابن جرير: (وقال آخرون: هذه الآية ثابتة الحكم، لم ينسخ منها شيء) ثُمَّ ذكر من قال ذلك، وذكر بسنده عن مجاهد في قول الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] قال: كانت هذه للمعتدة، تعتد عند أهل زوجها، واجباً ذلك عليها، فأنزل الله: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ"} إلى قوله: {مِن مَّعْرُوفٍ)} [البقرة: 240] قال: جعل الله لهم تمام السنة، سبعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير