تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال ابن عبدالبر: (والآية بإيجاب الوصية للوالدين والأقربين منسوخة) (10).

وقال: (فالوصية مندوب إليها، مرغوب فيها، غير واجب شيء منها) (11) ا هـ.

والقول الثاني: أن هذه الآية من قبيل العام المخصوص، فهي عامة في تناولها للوالدين وجميع الأقربين، ولكن خرج من هذا العموم الوالدان والأقربون الوارثون بدلالة آيات المواريث وببيان السنة لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث} (12).

وهذا ما يدل عليه قوله: (وهذا إجماع من علماء المسلمين أنه لا وصية لوارث، وأن المنسوخ من آية الوصية الوالدان على كل حال، إذا كانا على دين ولدهما، لأنهما وارثان لايحجبان، وكذلك كل وارث من الأقربين، لقوله صلى الله عليه وسلم: {لا وصية لوارث}، ولو كان الوارث تجب له الوصية لانتقضت قسمة الله لهم فيما ورثهم، وصار لهم أكثر مِمَّا أعطاهم.

فمن هنا قال العلماء: إن آية المواريث نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم) (13) ا هـ.

وعلى هذا فالآية محكمة غير منسوخة، ظاهرها العموم ومعناها الخصوص في الوالدين اللذين لايرثان كالكافرين والعبدين، وفي القرآبة غير الورثة، وهذا القول قاله الضحاك وطاووس والحسن، واختاره الطبري (14).

وما عبر عنه ابن عبدالبر بقوله: (فمن هنا قال العلماء: إن آية المواريث نسخت الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم) لايُقصد به النسخ بمفهومه الاصطلاحي المتأخر، وإنَّما هو تخصيص كما هو ظاهر لمن تأمّله.

قال ابن كثير - رحمه الله -: (ولكن على قول هؤلاء لايسمى هذا نسخاً في اصطلاحنا المتأخر؛ لأن آية المواريث إنَّما رفعت حكم بعض أفراد ما دل عليه عموم آية الوصية؛ لأن الأقربين أعم ممن يرث ومن لايرث فرفع حكم مَن يرث بما عين له، وبقي الآخر على ما دلت عليه الآية الأولى.

وهذا إنَّما يتأتى على قول بعضهم: إن الوصاية في ابتداء الإسلام إنَّما كانت ندباً حتى نسخت، فأمَّا من يقول إنها كانت واجبة - وهو الظاهر من سياق الآية - فيتعين أن تكون منسوخة بآية الميراث كما قاله أكثر المفسرين والمعتبرين من الفقهاء، فإن وجوب الوصية للوالدين والأقربين الوارثين منسوخ بآية المواريث بالإجماع، بل منهي عنه للحديث المتقدم {إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث}) (15) ا هـ.

والقول الثالث: هو قول من يجيز نسخ القرآن بالسنة، وهو أن هذه الآية منسوخة بحديث {لا وصية لوراث}.

فهذه مجمل الأقوال التي ذكرها ابن عبدالبر في حكم آية الوصية، ولم يتبيّن لي ما القول الذي يرجحه، وإن كان كلامه يدل على أنه يميل إلى أحد القولين الأولين - والله أعلم -.

وقد اختلفت أقوال المفسرين في تفسير آية الوصية، وتعددت آراؤهم، وكذلك العلماء الذين ألفوا في بيان الناسخ والمنسوخ ذكروا أقوالاً متعددة في معنى هذه الآية وهل هي محكمة أو منسوخة؟.

والذي يظهر لي - والله أعلم - أن القول بالتخصيص هو الراجح؛ لأن النسخ لايصار إليه إلاَّ عند التعارض، وقد قال ابن عبدالبر - رحمه الله -: (ولاينبغي لعالم أن يجعل شيئاً من القرآن منسوخاً إلاَّ بتدافع يمنع استعماله وتخصيصه) (16) ا هـ.

والتدافع الذي ذكره العلماء بين آيات الفرائض والمواريث وحديث: {لا وصية لوارث} من جهة وآية الوصية من جهة أخرى لايمنع القول بالتخصيص، فآية الوصية عامة في تناولها للوالدين والأقربين، ولكن خرج من عمومها الوالدان والأقربون الوارثون بدلالة آيات المواريث وبيان وتفسير السنة لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث}.

وعلى هذا فحكم الوجوب الذي دلت عليه آية الوصية باق فيمن لايرث من الوالدين والأقربين، ثُمَّ صَرَفَ هذا الوجوبَ إلى الندب ما رواه ابن عمر - رضي الله عنه - بقوله: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلاَّ ووصيته مكتوبة عنده} (17) (18).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير