تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ربما تكون هذه المرة الأولى التي أكتب بها في هذا الملتقى بمشاركة علمية، وإنما آثرت خلال الفترة الماضية أن أكون قارئاً ومستفيداً؛ لعلمي بقدر نفسي من هذا العلم، وحفاظاً على قوة هذا الملتقى الذي ظهر بقوة علمية مميزة، وذلك بفضل الله ثم بسبب جهود الأخوة القائمين على هذا الملتقى العملي المتخصص.

ثم لما رأيت هذا الموضوع، وقد كان سبق لي بحثه من سنين = أحببت أن أفيدكم بما لدي، فلعلي لا أكون ثقيلاً على ملتقاكم.

أما نزول القرآن، فلنا فيه أصلٌ مقرر عند أهل السنة والحديث، وهو أن القرآن كلام الله تعالى، تكلم الله به حقيقة، وأوحاه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل، ودلائل هذا الأصل متقررة في كتاب الله وسنة ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ كقوله تعالى: (وإن أحد من المؤمنين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)، ودلائل ذلك مبسوطة في كتب أصول الدين.

وكلام الله تعالى -كما هو معلوم - صفةٌ ذاتية باعتبار أن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، وفعليةٌ من باعتبار آحاد الكلام.

وقد دلت الدلائل من الكتاب والسنة على أن الله يتكلم بالقرآن حين إنزاله، ولهذا نجد أن الله يتكلم عن أشياء وقت في زمن التنزيل بلفظ المضي، مما يدل أن الكلام وقع عقيبه، ولا يصح أن يقال إن الله تكلم بشيء لم يحدث وأخبر عنه بصيغة المضي، وذلك مثل قول الله تعالى: (عبس وتولى) فنعلم أن الله إنما تكلم به بعد عبوس النبي صلى الله عليه وسلم في وجه ابن أم مكتوم، وكذلك أيضاً قوله تعالى: (وإذ غدوت تبوئ للمؤمنين مقاعد للقتال)، وكذلك قوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها)، وقوله: (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء)، إلى غير ذلك من الآيات التي تدل على هذا الأصل.

ومن السنة ما رواه البخاري عن ابن مسعود معلقاً: «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئاً، فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق، ونادوا: ماذا قال ربكم قالوا: الحق»، ورواه أبو داود برقم (4738) موصولاً، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماء للسماء صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل حتى إذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم قال فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك فيقول الحق فيقولون الحق الحق».

وهو في البخاري برقم (4800) عن أبي هريرة يقول: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خَضَعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: للذي قال الحق وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض - ووصف سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه- فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء».

وهذا الحديث فيه بيان حال الملائكة حين يقضي الله بالأمر من السماء، ومنه كلامه بالوحي كما دلت عليه رواية أبي دواد، وفيه أن جبريل ينزل به عقيب سماعه، وصعق الملائكة لسماع الوحي، وهو دال على أن الله يتكلم بالقرآن حين أنزاله.

وأيضاً فمن المتقرر في دلائل الشرع أن الله نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم مفرقاً ومنجماً حسب الوقائع والأحوال، كما في قول الله تعالى: (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً)، وقوله: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً)، وهذا معلوم ثابت بالإجماع من دين المسلمين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير