وقد أخرج الطبري (2/ 154)، والنسائي (6/ 519)، والحاكم (2/ 242)، والبهيقي (4/ 306)، عن ابن عباس رضي الله عنه بالأفاظ متقاربه أنه قال: «أنزل الله القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئا منه انزله من حتى جمعه»، والحديث إسناده صحيح، وقد صححه الحافظ ابن حجر في الفتح (8/ 620).
ثم ظنت طائفة من المتكلمين وغيرهم ممن ينفون صفة الكلام عن الله، قالوا: إن جبريل كان يأخذ القرآن من اللوح المحفوظ، كما زعم ذلك السيوطي وغيره، وقد ألف الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رسالة في إبطال هذا القول، لكنه لم يضعف أثر ابن عباس كما ذكر الأخ أبو مجاهد العبيدي وفقه الله، والرسالة في مجموع فتاواه رحمه الله.
وقد كان شيخنا الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله يتردد في صحة الأثر عن ابن عباس، وسبب الإشكال عند الشيخ أنه فهم منه رحمه الله أنه يتعارض مع ما ذكرت أن الله يتكلم بالقرآن حين إنزاله!!
وهذا الإشكال ليس بظاهر، لأن الناظر في أثر ابن عباس يجد أن هناك إنزالين للقرآن:
الأول من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا.
والثاني: وهو الوحي الذي يوحيه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عن طريق جبريل عليه السلام.
وعند النظر نجد أن النصوص صرحت أن إنزال الله القرآن عل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم = وحيٌ، وفيه ان الله يتكلم بالقرآن حين إنزاله كما ذكرنا سابقاً.
أما نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فلم يذكر في شيء من الروايات انه يقتضي أن الله تكلم به في هذا الإنزال، بل كونه مكتوبا قبلُ في اللوح المحفوظ لم يقتضِ ذلك.
وحقيقة هذا الإنزال أنه إنزال كتابي؛ إذ هو إنزال من مكتوب إلى مكتوب، وليس في شيء من الروايات الصحيحة لهذا الأثر أو غيره = أن جبريل يأخذ من اللوح المحفوظ.
وبهذا يزول الإشكال الذي من أجله تررد شيخنا الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله في صحة هذا الأثر.
إذا تقرر هذا فقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)، يقال فيها: إنها تشمل نوعي الإنزال الذي أشار إليه أثر ابن عباس:
الأول: الذي هو إنزال الوحي، و يكون المراد منه إنزال أوله.
الثاني: نزوله جملة واحدة إلى السماء الدنيا.
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتب: ابن أبي حاتم
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[13 Jul 2003, 05:16 ص]ـ
بسم الله
أشكر الأخ الكريم ابن أبي حاتم على مداخلته القيمة، ولي مع ما ذكر وفقه الله هذه الوقفات:
الوقفة الأولى: أشكره على التنبيه على أن الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله لم يضعف أثر ابن عباس رضي الله عنهما.
والذي حملني على ما ذكرت هو ما نقله عنه الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد في تفسيره تهذيب التفسير وتجريد التأويل مما ألحق به من الأباطيل ورديء الأقاويل؛ حيث قال: وقد ألف مفتي الديار السعودية السابق الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله رسالة لبيان بطلان القول بأن القرآن نزل جملة إلى السماء الدنيا، وأن جبريل نجمه على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاث وعشرين سنة .... إلخ كلام الشيخ عبدالقادر 1/ 409 - 410.
ولازم ما نقله عنه أنه يرد أثر ابن عباس الذي يدل على هذا المعنى الذي أبطله.
وعذري أن الرسالة ليست عندي، ولم أرجع إليها مباشرة بل نقلت عنها بواسطة.
ولعلك أخي تتأكد من نص كلام الشيخ إن كانت الرسالة عندك، أو يمكنك الإطلاع عليها.
الوقفة الثانية: ما ذكرته وفقك الله بقولك:إذا تقرر هذا فقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ)، يقال فيها: إنها تشمل نوعي الإنزال الذي أشار إليه أثر ابن عباس:
الأول: الذي هو إنزال الوحي، و يكون المراد منه إنزال أوله.
الثاني: نزوله جملة واحدة إلى السماء الدنيا.
فيه نظر من جهتين:
الأولى: لا بد من إثبات أن أول القرآن نزل في رمضان حتى يصح قولك، والمعروف المشهور في السيرة أن نزول القرآن ابتدأ في غير رمضان في غار حراء _ على خلاف في هذه المسألة _.
¥