والثانية: ما ذكره الشيخ محمد الشايع في كتاب نزول القرآن الكريم الذي أحلت عليه سابقاً بقوله: القول بأن المراد بالآيات الثلاث من سورة البقرة والدخان والقدر هو ابتداء النزول؛ هو صرف لها عن ظاهرها بغير صارف، وهو يحتاج إلى تقدير محذوف. فقوله تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أي ابتدأنا إنزاله. وهو يقتضي حمل القرآن على أن المراد بعض أجزائه وأقسامه، فقوله: (إنا أنزلناه في ليلة القدر) أي أنزلنا بعضه. انتهى كلام الشيخ.
فالذي أرى _ والله أعلم _ هو أن الجمع بين الأقوال يكون بما ذكرتُه سابقاً.
وجميلٌ مفيدٌ ما قاله الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله في تتمته لأضواء البيان، حيث قال: (والواقع أنه لاتعارض كما تقدم بين كونه في اللوح المحفوظ ونزوله إلى السماء جملة، ونزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً؛ لأن كونه في اللوح المحفوظ، فإن اللوح المحفوظ فيه كل ما هو كائن وما سيكون إلى يوم القيامة، ومن جملة ذلك القرآن الذي سينزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم.
ونزوله جملة إلى سماء الدنيا، فهو بمثابة نقل جزء مِمَّا في اللوح وهو جملة القرآن، فأصبح القرآن موجوداً في كل من اللوح المحفوظ كغيره مِمَّا هو فيه، وموجوداً في سماء الدنيا، ثُمَّ ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجماً.
ومعلومٌ أنه الآن هو أيضاً موجود في اللوح المحفوظ، لم يخل منه اللوح ... وقد بينت السنة تفصيل تنزيله مفرقاً على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، حتى إذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير} الحديث في صحيح البخاري.
وفي أبي داود وغيره: {إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة كجر السلسلة على الصفوان}.
وعلى هذا يكون القرآن موجوداً في اللوح المحفوظ حينما جرى القلم بما هو كائن وما سيكون، ثُمَّ جرى نقله إلى سماء الدنيا جملة في ليلة القدر، ثُمَّ نزل منجماً في عشرين سنة، وكلما أراد الله إنزال شيء منه تكلم سبحانه بما أراد أن ينزله، فيسمعه جبريل - عليه السلام - عن الله تعالى، ولا منافاة بين تلك الحالات الثلاث، والله تعالى أعلم) ا هـ. [من تتمة أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ عطية محمد سالم 9/ 382، 383 باختصار.]
والذي بَدَا لي - والله أعلم - أن سبب هذا الخلاف في كيفية نزول القرآن هو أن بعض العلماء فهم من اختلاف تعبيرات السلف عن نزول القرآن وكيفيته أنها أقوال مختلفة متغايرة، فمن ثَمّ جعلوها أقوالاً في المسألة، ونسبوا كل قول إلى مَن قال به، ثُمَّ رجحوا بين هذه الأقوال، فقوّوا بعضها، وضعفوا البعض الآخر، ثُمَّ جاء العلماء الذين ألفوا وكتبوا في علوم القرآن، ونقلوا هذه الأقوال، كلٌّ ينقل عمّن سبقه من غير تأمل ولا بحث في حقيقة المسألة.
ولو أنهم رجعوا إلى الآيات القرآنية التي تكلمت عن نزول القرآن، وعرفوا تفسيرها، ثُمَّ نظروا في الآثار التي وردت عن السلف؛ لعلموا أنها متفقة غير مختلفة، ولكن كلٌّ عبّر عن فهمه بأسلوبه، فكان في أساليبهم في التعبير عمّا فهموه بعض التغاير والاختلاف، فظن من جاء بعده أنه اختلاف تضاد، وهو في الحقيقة اختلاف تنوع، والله أعلم بالصواب.
ولك الشكر مني على مشاركتك القيمة.وفقنا الله جميعاً للصواب وعصمنا من الزلل.
ـ[ابن العربي]ــــــــ[14 Feb 2004, 12:51 م]ـ
بسم الله
الأخ ابن أبي حاتم لا فض فوك وبارك الله فيك
وشكراً لك أبا مجاهد
ومن باب المشاركة ينظر إلى كتاب حاشية مقدمة التفسير لعبد الرحمن بن محمد بن قاسم رحمه الله
وقد شرحها الشيخ الدكتور سعد الشثري حفظه الله تعالى وسدده في درس علمي في جامع شيخ الإسلام ابن تيمية بالرياض وهي مسجلة على أشرطة
بارك الله فيكم ونفع بكم.
ـ[أبومجاهدالعبيدي]ــــــــ[04 Feb 2005, 02:41 م]ـ
مما توصلت إليه في كيفية نزول القرآن على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما نبهت عليه بقولي:
(تنبيه مهم: لا يفهم من أثر ابن عباس السابق، وغيره من الآثار في هذا المعنى أن نزول القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم كان من السماء الدنيا بواسطة جبريل عليه السلام، بل الصحيح أن نزول القرآن عليه صلى الله عليه وسلم كان من الله جل وعلا مباشرة بواسطة جبريل عليه السلام، حيث تكلم الله بالقرآن، وتلقاه منه جبريل، ثم نزل به على النبي صلى الله عليه وسلم فتلقاه منه، كما دلت على ذلك الآيات التي فيها التصريح بأن القرآن نزل من الله إلى رسوله.)
وقد وجدت في تفسير القرطبي لسورة القدر ما نصه: (وحكى الماوَرْدِيّ عن ابن عباس قال: نزل القرآن في شهر رمضان، وفي ليلة القدر، في ليلة مباركة، جملة واحدة من عند الله، من اللوح المحفوظ إلى السَّفَرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا؛ فنجّمته السفرة الكرام الكاتبون على جبريل عشرين سنة، ونجمه جبريل على النبيّ صلى الله عليه وسلم عشرين سنة.
قال ابن العَرَبيّ: «وهذا باطل؛ ليس بين جبريل وبين الله واسطة، ولا بين جبريل ومحمد عليهما السلام واسطة».)
وهذا توكيد لما ذكرته أعلاه، والحمد لله على توفيقه.
¥