لقد أهديته علقاً نفيساً ... وما يهدي النفيس سوى الفيس ''
يتيمة الدهر للثعالبي - المجلد 1 ص 114
ـ[ابو مريم الجزائري]ــــــــ[20 Jan 2008, 06:26 م]ـ
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
و هذه مقامة الفرقان من كتاب المقامات للزمخشري
ملاحظة: (النسخة التي عندي غير مرقمة)
يا أبا القاسم: '' اجعَلْ كتابَ اللّهِ نَجيّكَ فَنِعمَ النّجِي. وإنّكَ لَحَريٌ بمُناجاتِهِ حَجي. إنْ شئِتَ أنْ يُخاصرِكَ إلى مَنجاتك فلا يَخلُونَّ ساعةً مِنْ مُناجاتِك وهوَ حبلُ اللّهِ المتينْ وصرِاطُهُ المُستبينْ بهِ أحيَى رُسُومَ الشّرْعِ الطّامِسَه وجَلّى ظُلُماتِ الشِّركِ الدّامسة نُورٌ مُستَصْبَحٌ بهِ في ليالي الشّكْ سيفٌ سَقّاطٌ وراءَ ضرائِبِ الشِّركْ جَبَلٌ يَعصمُ مَن اعتصمَ بمعاقِلهِ وَيَقصِمُ ظَهرَ العادلِ عنهُ بجنادلِهِ. بحرٌ لُجِيٌ لا تزلُ تزْخَرُ لُجَجُه. ذُو عُبابٍ يُرّوِّعُ التِطامُهُ وتموجُه لا يبلُغُ عابرٌ عَبرَه. ولا غائِصٌ قعرَه عَذْبٌ فُرَاتٌ إلا أنّه مُليءَ بكُلِّ لُؤلُؤةٍ يتيمَة قذّافٌ لِكُلِّ جَوْهَرَةٍ كَرِيَمهْ. أينَ مِنها ما غَالى بهِ الأكاسِرَةُ منَ الفرائدْ. وما رَصَّعُوا بهِ تيجانَهُم مِنْ وسائطِ القلائِدْ. كُلُّ دُرَّةٍ في تقاصيرِ بناتِ القصورْ مُقرِةٌ بالتقصيرِ عنها والقصورْ. إنْ عُدَّتْ عجائبُ البحارِ لم تُعَدَّ عجائُبه وإنْ حُدَّتْ غرائبُ الأسمارِ لم تُحدَّ غرائُبهْ كُلّما ذهبتَ بفكرِكَ في بلاغتهِ التي حَصِرتْ دونَها البُلغاءْ حتى سَخَرتْ مِنْ فَصَاحتهم البَبغاءْ ونَظَرْتَ في سَلامَةِ سَبكِهِ المستغرَبْ. وسلاسَةِ مائهِ المُستعذَبْ. ورَصانَةِ نظمهِ المُرَصَّفْ ومتانَةِ نسجِهِ المُفَوَّفْ. وغرابَة كنايِتهِ ومجازِهْ ونَدْرَةِ إشباعهِ وإيجَازهِ وروْعَةِ إظهارِهِ وإضْمارِهْ وبَهجَةِ َحْذْفِهِ وتكرَارِهْ. وإصابَةِ تعريفِهِ وتنكيرِهْ، وإفادَةَ تقديمهِ وتأخيرِهْ ودلالةِ إيضاحِهِ وتصرِيحهْ. ودقّةِ تعريضه وتَلِويحِهِ وطُلاوَةِ مبَاديِهِ ومقَاطِعِهِ وفصولِهِ ووصولِه وما تِناصَرَ فيهِ من فروعِ البيان وأصولِهْ. إرْتَدَّ فَهمُكَ وغرَارُ كَهَام ومِدّرَارُهُ جهامْ. حَيرَةً في أسلوبِهِ الذي يكادُ يسلُب بُحسنِهِ العاقِلَ فِطنَتَهُ وهوَ يزيدُهُ فِطنَهْ. وافتنانِهِ الذي يكادُ يفتنُ الناظرَ فيهِ وهوَ يميطُ عنهُ الفتنَهْ. لم يمشِ إليكَ وعدُهُ المرَغّبْ إلا واطِئاً عِقبَهُ وَعِيدُهُ المُرهّبْ قدْ شُفِعَ هذَا بذَاكَ إرَادَة تنشيطِكَ لِكسبِ ما يُزْلِفْ. وتَثبيطِكَ عنِ اكتِسابِ ما يُتلِفْ مَعَ اقْتصاصِ ما أجْرَى إليهِ عُصاةُ القُرُونْ وما جَرَى عليْهِم منْ فظائِعِ الشؤُونْ ومَا رَكبَ أعْدَاءُ اللّهِ منْ أوْليائِهْ. غَيْرَ مُكْترِثينَ لِعُتُوِّهمْ بكبرِيِائِهْ. رَدَعوهُمْ عنِ المناكيرْ فَقَطّعُوهُمْ بالمنَاشيرْ وَدَعَوهُمْ إلى أعْمالِ الأبْرَارْ فعرَضُوهُمْ على السّيفِ وحَرَّقُوهُمْ بالنارْ ثمَّ اصْطَبِرُوا لِوَجْهِ اللّهِ وثبتُوا ومَا اسْتكانُوا لهُمْ ولا أخْبَتُوا حَتّى اشترَوُا النعيمَ الخالِدَ في جَنّاتِ عَدْنْ بِبؤْسٍ وَطنّوا عليهِ أنْفُسَهُمْ طَرْفةَ عَيْنْ لِيُريَكَ سُوءَ مُنْقَلَبِ المُعْتَديِنْ وَيُبَصِّرَكَ حُسْنَ عَوَاقبِ المُهتدينْ فحادثْ لسانَكَ بدراستِهِ حتى تَرِقَّ عذَبَتُهْ وَمَرِّنْهُ على تلاوَتَهِ حتى لا تَطُوعَ لغَيْرِهِ أسلَتُهْ وَتَعَمّدهُ بِمَتْلُوِّهِ مِنَ اللسُنِ ما سَاعَدَتْكَ عليهِ المُكْنَهْ وتَرَفَعْ لهُ بمَخارِجِ الحُرُوفِ عنِ ارْتِضاخِ اللكْنَةْ وَاقْرَأْهُ مُرَتّلاً كالتّرْتيلِ في بعْضِ الأسْنانْ والتّفْليِجِ في نَوْرِ الأُقحُوَانْ وَاجْتَنَبْ ما لا يُؤْمَنُ في الهِذّ والهَذْرَمَهْ. مِنَ اللّحْنِ وَالحَضْرَمَه وْاجْتَهِدْ أنْ لا تَقْرَأ إلا وضَمِيرُكَ مُقاوِدٌ للِسانِكْ وَتَبَينُكَ مُساوِقٌ لِبَيانِكْ لا تَمُرَّ على جُمْلَةٍ إلا عاقِداً بمِعْناها تأملَكَ وتَفَكُّرَكْ عاكِفاً على مُؤَادَّها تَفَهُمَكَ وتَبَصُرَكْ. مُجِيلاً في حقيقتِها بَصيرَتَكَ ونظرَكْ. مُمْتاحاً منها مَواعِظَكَ وَعِبَرَكْ وإلا كانَتْ قِراءتُكَ رَاعِدَةَ صَلِفَةً لَيْسَ لهَا دَرَرْ وَصَدَفَةً فارِغةً ما في جَوْفِها دُرَرْ. وَأكْرِمْ نَجيّكَ هذَا فإنّهُ كَرِيمٌ يَسْتوْجِب غايةَ الإكرَامْ وعظيمٌ يَسْتدْعِي قُصارَى الإعظامْ. فلا تَمَسّ لَهُ إلا على طُهْرِكَ مَسْطُورَاً وَاحْتَطْ أنْ لا تَفْرُقَ بين أنْ يكونَ مَكشوفاً أوْ مستوراً واحفَظْ فيهِ حَقَّ مَنْ إلَيْهِ انتِمَاؤُهْ وَإلى اسْمِهِ إضافَتُهُ تَبَاركَتْ أسْماؤُه ''.
ـ[النجدية]ــــــــ[21 Jan 2008, 11:50 ص]ـ
بسم الله ...
جزاكم الله خيرا فهذا موضوع نافع، يطرب المسامع!
من أفضل ما قرأت في القرآن الكريم، ما أورده العلامة (أبو حيان) (ت:745ه)، في مقدمة بحره -تفسيره المشهور البحر المحيط-
قال:
" جعلت كتاب الله و التدبير لمعانيه أنيسي، إذ هو أفضل مؤانس، و سميري إذا أخلو لكتب ظلم الحنادس:
نعم السمير كتاب الله إن له=حلاوة هي أحلى من جنى الضرب
به فنون المعاني قد جمعن فما=يفتن من عجب إلا إلى عجب
أمر و نهي و أمثال و موعظة=و حكمة أودعت في أفصح الكتب
لطائف يجتليها كل ذي بصر=و روضة يجتنيها كل ذي أدب "
**و هذه الأبيات عينها أوردها الإمام الآلوسي (ت:1270ه) في مقدمته لتفسير المعاني.
و الله الموفق ...
¥