تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ماذا لو أن هذا التلميذ سمع من البخاري كتابه هذا وهو في أثناء جمعه ولمّا يتمه؟ ثم لم تتم أيضا عملية ترتيبه بسبب عدم اكتمال جمعه وتأليفه ... وزيادة على ذلك رأينا هذا التلميذ يضيف بعض الكلمات في هذا المروي عن البخاري توضيحا وشرحا لبعض قوله أو نقله، و لايبين ذلك، وهذا سبب خلطا في كلام البخاري ونقله بكلام التلميذ، بل وجدنا هذا التلميذ يجتهد في ترتيب بعض فصوله وأبوابه حسب الزمان الذي كتب فيه البخاري كتابه، وليس حسبما يريد البخاري من ترتيبه، بل ربما خالف المنهجية العلمية، فرأيناه مثلا يقدم باب النكاح على باب الطهارة، وباب البيوع على باب الحج ... وهذا مخالف لأعرافهم في التصنيف، ومخالف للمنهج الذي يسير عليه الإمام في تصنيف كتابه، ومخالف لكل الروايات الأخرى الصحيحة لتلاميذ البخاري في صحيحه.

فهل إذا وجدنا كل ذلك لنا أن نعتد بهذه النسخة لهذا التلميذ ونستشكل بها أو نقارنها ببقية النسخ الأخرى الكاملة المضبوطة من كتاب البخاري؟ ما أظن عاقلا يلتفت لتلك النسخة، فضلا أن يعارض بها النسخ الصحيحة الموثقة المدققة.

بل نقول مطمئنين: إن هذا التلميذ لم يرو النسخة المكتملة للكتاب، ولم يحضر الإمام عندما أنهى جمع كتابه وتصنيفه، وإنما أخذ منه جزءا وبقيت عليه أجزاء ... ، وأنه: اجتهد في ترتيبه وفي كتابة بعض الكلمات الشارحة لمعانيه لعلمه بأن هذا الكتاب محفوظ عن طريق رواية الكثيرين من تلاميذ البخاري الآخرين ... ومدونا في نسخة الإمام التي أشرف عليها ... فكيف إذا كان قد أذن له الإمام في قراءة بعض ألفاظه بما يراه مناسبا للغته التي تعودها ولا فكاك له عنها ... حتى يعلم مدى قدرة البخاري على تنويع كلاماته ... معى المحافظة على المعنى سليما صحيحا.

ثم إن هذا التلميذ لمّا جاءته الأنباء بأن الإمام قد ضبط كتابه على نسخة واحدة، وترتيب منسق منهجي سليم ... وأمر كل من أخذ كتابه قبل ذلك على غير النسخة الأخيرة أن يمحوا نسخته تلك ويتبع النسخة المدققة المصححة الكاملة، فبادر التلميذ إلى ذلك، وألقى نسخته في اليم طائعا، وقد علم يقينا أن النسخة الجديدة فيها ما عنده وزيادة ما نقص عنده مما كان متتابعا في جمع الإمام لكتابه، وترتيب ما أغفله الإمام سابقا من الترتيب بسبب عدم إكتمال الكتاب .. فهل يلام هذا التلميذ، أو يعاب؟ أم أنه قد أتى البيوت من أبوابها، واتبع ما يمليه عليه العلم والمنهجية الحقة؟

ثم إذا قدّر ووجدنا بعض تلاميذ هذا التلميذ قد احتفظوا لأنفسهم بنسخ من تلك النسخة التي ألقاها في اليم لما ذكرنا، وواجهوا بها التلميذ لإلزامه بما فيها، فماذا يكون رده في رأي القراء الكرام؛ أليس يقول لهم اتركوا هذه النسخ واتبعوا نسختي هذه الجديدة، التي وصلتني بطرق صحاح عن الإمام، فقد حوت ما عندكم وزيادة ما لم أتحصل عليه قبل من علم الإمام، فقد تركتُه ولمّا يتم كتابه بعدُ، إضافة إلى حسن ترتيبها وتنسيقها، الذي كنت اجتهدتُ فيه - من عندي - سابقا، فأخطأت في أشياء وأصبت شيئا ... فمن استجاب له - لا شك - رشد وهدي صراطا مستقيما، ومن أعرض فقد أخطأ وضل وحرم علما عظيما.

فإن قال القائل: اعتمادك على روايات حول الكافة عن الكافة للنص القرآني ليست الا بروايات ...

قلت: إن كان قصد المتكلم هنا أن هذه الروايات أحادية، ولسيت بنقل الكافة عن الكافة - بمعنى الجماعة الكثيرة عن الجماعة الكثيرة - إن كان يقصد هذا؛ فقد خالف بداهات العقول، وأنكر الأمر الملموس المحسوس، وأقول له: دونك أقطار الأرض فاضرب في مشارقها ومغاربها، وبحرها وبرها، وأرضها وسمائها ... وسآئل التلميذ صاحب العشر سنوات والمسن ذي المائة عام عن كتابه الذي يتعبد الله به، فإن وجدتَ بينهم خلافا في نقله وحفظه وترتيبه ونظمه ... ، فلقولك نصيب من الصحة، وإلا ... فاتبع طريق العلم، واترك هذا القول الذي أنت عليه مجانبا فيه لما ثبت بالعلم والبرهان صحته، فما فائدة هذا الذي أنت عليه؛ من دعواك المنهجية العلمية الشاملة الصارمة؟ فما قولك هذا؛ إلا حديث خرافة، وقد تركه أكثر الناس مخالفة لأهل هذا الكتاب الكريم، وبداؤا يبحثون عن طرق أخرى للكلام حول هذا الكتاب المعجز الذي نؤمن بصحته وسلامته - معشر المسلمين - إيمانا مطلقا، عن علم وبينة، وبأدلة دامغة داحضة لكل من يروم قول غير ذلك. بل ونناقش بالحسنى كل من يخالفنا في ذلك، ونسمع قوله - كما سمع أجدادنا أقوال غيره منذ القدم وردوها، وبينوا خطأها وخطلها - ونرده بعلم وحلم، وحجة نيرة، وأدلة علمية عقلية ونقلية، كتابية أو سماعية، فكيفما أراد ناقشناه، وبينا له مقدار ما عليه من مجافاة للمنهجية العلمية بكافة نواحيها، ونحتمل منه أن يقول عنا ما يشاء: من أننا ننطلق من إيماننا المطلق بصحة هذا الكتاب وسلامته من الزيادة والنقصان، أو قوله: إننا نتكلم بحماسة ... أو غير ذلك.

يتبع - إن شاء الله -.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير