تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبينه لنا. وعلمنا مراده منه بالاضطرار وعلمنا من مراده علما ضروريا أن من قيل: إنه صدق ولم يتكلم بلسانه بالإيمان مع قدرته على ذلك ولا صلى ولا صام ولا أحب الله ورسوله ولا خاف الله ; بل كان مبغضا للرسول معاديا له يقاتله ; أن هذا ليس بمؤمن. كما قد علمنا أن الكفار من المشركين وأهل الكتاب الذين كانوا يعلمون أنه رسول الله وفعلوا ذلك معه ; كانوا عنده كفارا لا مؤمنين فهذا معلوم عندنا بالاضطرار أكثر من علمنا بأن القرآن كله ليس فيه لفظ غير عربي. فلو قدر التعارض ; لكان تقديم ذلك العلم الضروري أولى. فإن قالوا: من علم أن الرسول كفره علم انتفاء التصديق من قلبه. قيل لهم: هذه مكابرة , إن أرادوا أنهم كانوا شاكين مرتابين. وأما إن عني التصديق الذي لم يحصل معه عمل ; فهو ناقص كالمعدوم ; فهذا صحيح. ثم إنما يثبت إذا ثبت أن الإيمان مجرد تصديق القلب وعلمه وذاك إنما يثبت بعد تسليم هذه المقدمات التي منها هذا فلا تثبت الدعوى بالدعوى مع كفر صاحبها. ثم يقال: قد علمنا بالاضطرار أن اليهود وغيرهم كانوا يعرفون أن محمدا رسول الله ; وكان يحكم بكفرهم. فقد علمنا من دينه ضرورة أنه يكفر الشخص مع ثبوت التصديق بنبوته في القلب إذا لم يعمل بهذا التصديق بحيث يحبه ويعظمه ويسلم لما جاء به. ومما يعارضون به أن يقال: هذا الذي ذكرتموه إن كان صحيحا ; فهو أدل على قول المرجئة , بل على قول الكرامية , منه على قولكم , وذلك أن الإيمان إذا كان هو التصديق كما ذكرتم فالتصديق نوع من أنواع الكلام , فاستعمال لفظ الكلام والقول ونحو ذلك في المعنى واللفظ , بل في اللفظ الدال على المعنى , أكثر في اللغة من استعماله في المعنى المجرد عن اللفظ , بل لا يوجد قط إطلاق اسم الكلام ولا أنواعه: كالخبر أو التصديق والتكذيب والأمر والنهي على مجرد المعنى من غير شيء يقترن به من عبارة ولا إشارة ولا غيرهما ; وإنما يستعمل مقيدا. وإذا كان الله إنما أنزل القرآن بلغة العرب ; فهي لا تعرف التصديق والتكذيب وغيرهما من الأقوال إلا ما كان معنى ولفظا أو لفظا يدل على معنى ; ولهذا لم يجعل الله أحدا مصدقا للرسل بمجرد العلم والتصديق الذي في قلوبهم حتى يصدقوهم بألسنتهم. ولا يوجد في كلام العرب أن يقال: فلان صدق فلانا أو كذبه إذا كان يعلم بقلبه أنه صادق أو كاذب ولم يتكلم بذلك. كما لا يقال: أمره أو نهاه إذا قام بقلبه طلب مجرد عما يقترن به من لفظ أو إشارة أو نحوهما. ولما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " {إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس} ". وقال: " {إن الله يحدث من أمره ما شاء وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة} " اتفق العلماء على أنه إذا تكلم في الصلاة عامدا لغير مصلحتها ; بطلت صلاته. واتفقوا كلهم على أن ما يقوم بالقلب من تصديق بأمور دنيوية وطلب لا يبطل الصلاة وإنما يبطلها التكلم بذلك. فعلم اتفاق المسلمين على أن هذا ليس بكلام. وأيضا ففي " الصحيحين " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به} " فقد أخبر أن الله عفا عن حديث النفس إلا أن تتكلم ; ففرق بين حديث النفس وبين الكلام وأخبر أنه لا يؤاخذ به حتى يتكلم به , والمراد حتى ينطق به اللسان باتفاق العلماء. فعلم أن هذا هو الكلام في اللغة ; لأن الشارع - كما قرر - إنما خاطبنا بلغة العرب. وأيضا ففي " السنن " {أن معاذا قال له: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم} ". فبين أن الكلام إنما هو ما يكون باللسان. وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " {أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل} ". " وفي الصحيحين " عنه أنه قال: " {كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم} " وقد قال الله تعالى: {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا} {ما لهم به من علم ولا لآبائهم كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا} وفي " الصحيح " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " {أفضل الكلام بعد القرآن أربع كلمات وهن في القرآن:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير