وأما الضمير في قوله: {وإذا سمعوا} وما بعده من الضمائر في قوله "أعينهم" و "عرفوا" و"يقولون" فلا بد أن ترجع إلى الذين أسلموا منهم .. فكيف ولم يسبق لهم ذكر؟؟!
وفي ذهني الآن ما يمكن أن يكون جوابا، وهو أن الضمير في قوله: {وإذا سمعوا} راجع إلى النصارى أو إلى القسيسين باعتبار البعض، فالمعنى: وإذا سمع بعضهم ما أنزل إلى الرسول ترى ... الخ
فقوله "سمعوا" صادق بالبعض وهم الذين أسلموا وكتب الله لهم الهداية إلى الإسلام والإيمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
ولها نظائر في القرآن فيما أظن (لا تحضرني الآن)
يؤيده أن جملة "وإذا سمعوا" الخ كما يحتمل أن تكون معطوفة على خبر "أَنَّ" يحتمل أيضا أن تكون مستأنفة مبتدأة، فعلى هذا الوجه جعلها مبتدأ أولى، والله تعالى أعلم.
نسأل الله أن يفتح علينا وعليكم وأن يعلمنا ما جهلنا ويفقهنا في دينه وكتابه ..
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء همومنا وأحزاننا يا رب العالمين.
أخي الشيخ أبو مجاهد/ ما أردت إلا المناقشة والمذاكرة معكم لعلي أستفيد علما نافعا، وأنتم والله أعرف بما ذكرنا وغيره .. ويعلم الله كم أنا مستفيد من مقالاتكم وحلقاتكم في منتدانا بارك الله فيكم وفي أهل هذا المنتدى الطيب.
والسلام عليكم
فرددت على مذاكرة الأخ السائل بما يلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
جزى الله الأخ السائل الكريم خيراً على هذا الإيضاح والتفصيل وأشكره على حسن مناقشته وأدبه في الرد.
وقد راجعت تفسير الآية في أكثر التفاسير التي تيسر لي الإطلاع عليها وبعد قراءة ما ذكروه وبعد التأمل فيما أورده أخي السائل خلصت إلى هذه النتيجة وهي:
المراد بالذين قالوا إنا نصارى في قوله تعالى: (ولتجدن أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين قالوا إنا نصارى) النصارى الذين لا زالوا على نصرانيتهم ولما يؤمنوا بعد.
قال الطاهر ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير: (والمراد بالنصارى هنا الباقون على دين النصرانية لا محالة، لقوله: (أقربهم مودة للذين ءامنوا). فأما من آمن من النصارى فقد صار من المسلمين.) انتهى
قال الشيخ عبد القادر شيبة الحمد في تفسيره تهذيب التفسير وتجريد التأويل مما ألحق به من الأباطيل وردئ الأقاويل ك (وليس هذا مدحاً للذين قالوا إنا نصارى من حيث كونهم نصارى وهم يقولون: إن الله هو المسيح البن مريم، وما داموا يقولون: إن الله ثالث ثلاثة؛ والمعلوم أن المدح في الجملة لا يقتضي كون كل واحد من أفراد هذه الجملة ممدوحاً، بل إنما ينصرف المدح لمن يستحقه منهم)
وإخبار الله عن الذين قالوا إنا نصارى بأنهم أقرب مودة للذين آمنوا ليس دليلاً على أنهم يوادون المؤمنين؛ وإنما هو إخبار بأنهم أفضل وأقرب من اليهود والذين أشركوا في المودة للمؤمنين.
فهذا من باب قول القائل: فلان أصدق الكاذبين!
ثم علل كونهم أقرب مودة للذين ءامنوا بأن منهم قسيسن ورهباناً وأنهم لا يستكبرون ... إلى آخر ما ورد في صفاتهم.
فدل هذا على أن الموصوفين بالصفات التي جاءت في الثلاث الآيات التي بعد هذه تحولوا إلى الإسلام وءامنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم
وهذا من أسباب تفضيل النصارى على اليهود؛ فالذين يدخلون في الإسلام من النصارى أكثر من الداخلين فيه من اليهود.
ولذلك قال ابن كثير في آخر تفسيره لهذه الآيات: (" وَهَذَا الصِّنْف مِنْ النَّصَارَى هُمْ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْله تَعَالَى " وَإِنَّ مِنْ أَهْل الْكِتَاب لَمَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ... " الْآيَة [آل عمران: 199]
وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّه فِيهِمْ " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَاب مِنْ قَبْله هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقّ مِنْ رَبّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْله مُسْلِمِينَ" إِلَى قَوْله " لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ". [القصص: 52 - 55]) انتهى
فالأوصاف الأخيرة من قوله: (وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ... ) إلى آخر الآيات لمن آمن منهم.
وعليه تحمل أقوال السلف المذكورة في الجواب السابق. والله أعلم.
¥