تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أحدها: أنه لا يعرف إطلاق وجه الله على القبلة لغةً ولا شرعاً ولا عرفاً، بل القبلة لها اسم يخصها، والوجه له اسم يخصه؛ فلا يدخل أحدهما على الآخر، ولا يستعار اسمه له. نعم القبلة تسمى وجهة، كما قال تعالى: ? وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ? (البقرة: من الآية148)، وقد تسمى جهة ... ، وإنما سميت قبلة ووجهة لأن الرجل يقابلها ويواجهها بوجهه. وأما تسميتها وجهاً فلا عهد به؛ فكيف إذا أضيف إلى الله تعالى؟ مع أنه لا يعرف تسمية القبلة» وجهة الله «في شيء من الكلام، مع أنها تسمى وجهة؛ فكيف يطلق عليها» وجه الله «ولا يعرف تسميتها وجهاً ....

الوجه الثاني: أن الآية لا تعرُّض فيها للقبلة، ولا لحكم الاستقبال، بل سياقها لمعنى آخر، وهو بيان عظمة الرب تعالى وسعته، وأنه أكبر من كل شيء وأعظم منه، وأنه محيط بالعالم العلوي والسفلي؛ فذكر في أول الآية إحاطة ملكه في قوله: ? وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ? مُنبهاً بذلك على ملكه لما بينهما، ثم ذكر عظمته سبحانه، وأنه أكبر وأعظم من كل شئ، فأينما ولّى العبد وجهه فثم وجه الله، ثم ختم باسمين دالين على السعة والإحاطة فقال: ? إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ?، فذكر اسمه الواسع عقيب قوله: ? فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ? كالتفسير والبيان والتقرير له؛ فتأمله.

فهذا السياق لم يقصد به الاستقبال في الصلاة بخصوصه، وإن دخل في عموم الخطاب حضراً وسفراً بالنسبة إلى الفرض والنفل والقدرة والعجز.

وعلى هذا فالآية باقية على عمومها وإحكامها، ليست منسوخة ولا مخصوصة، بل لا يصح دخول النسخ فيها؛ لأنها خبر عن ملكه للمشرق والمغرب، وأنه أينما ولى الرجل وجهه فثم وجه الله، وعن سعته وعلمه؛ فكيف يمكن دخول النسخ والتخصيص في ذلك؟.

وأيضاً؛ هذه الآية ذُكرت مع ما بعدها لبيان عظمة الرب، والرد على من جعل له عدلاً من خلقه أشركه معه في العبادة؛ ولهذا ذكر بعدها الرد على من جعل له ولداً، فقال تعالى: ? وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ = بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ? (البقرة:116 - 117)، فهذا السياق لا تعَرُض فيه للقبلة، ولا سيق الكلام لأجلها، وإنما سيق لذكر عظمة الرب، وبيان سعة علمه وملكه وحلمه، والواسع من أسمائه؛ فكيف تجعلون له شريكاً بسببه تمنعون بيوته ومساجده أن يُذكر فيها اسمه وتسعون في خرابها؟؛ فهذا للمشركين. ثم ذكر ما نسبه إليه النصارى من اتخاذ الولد، ووسّط بين كفر هؤلاء قوله تعالى: ? وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ?؛ فالمقام مقام تقرير لأصول التوحيد والإيمان، والرد على المشركين، لا مقام بيان فرع معين جزئي ....

الوجه الثالث: أنه سبحانه أخبر عن الجهات التي تستقبلها الأمم مُنَكّرة مطلقة غير مضافة إليه …، فقال تعالى: ? وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ? (البقرة:148). فتأمل هذا السياق ف ذكر الوجهات المختلفة التي توليها الأمم وجوههم، ونزِّل عليه قوله: ? وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ?، وانظر: هل يلائم السياق السياق، والمعنى المعنى ويطابقه أم هما سياقان دل كل منهما على معنى غير المعنى الآخر؟ فالألفاظ غير الألفاظ، والمعنى غير المعنى.

الوجه الرابع: أنه لو كان المراد بوجه الله: قبلة الله لكان قد أضاف إلى نفسه القِبَل كلها، ومعلوم أن هذه إضافة تخصيص وتشريف إلى إلهيته ومحبته، لا إضافة عامة إلى ربوبيته ومشيئته، وما كان هذا شأنها لا يكون المضاف إلا خاصاً، كبيت الله وناقة الله وروح الله … ([3])

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير