تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ووافقه القرطبي في ذكر هذه الأقوال، حيث نقل أكثر كلامه هنا، وزاده إيضاحاً وبياناً وتمثيلاً. ([9])

وأما الرازي ففسر الوجه بناء على مذهبه في التأويل، وذكر كلاماً لا حاجة إليه هنا يقرر فيه مذهبه الفاسد، ثم ختم بقوله: (فلا بد من تأويله بأن المراد: فثم قبلته التي يعبد بها، أو ثم رحمته ونعمته وطريق ثوابه والتماس مرضاته.) ([10])

وجمع أبو حيان ما ذكره ابن عطية، والقرطبي، وأضاف إليه كلاماً موافقاً لكلام المبتدعة المأولين، وبالغ – عفا الله عنه – في الرد على من أثبت صفة الوجه لله تعالى، ورمى من فعل ذلك بأوصاف لا تليق، ثم قرر أن الآية تحمل على المجاز، أو على حقيقة يصح نسبتها إلى الله تعالى. ([11])

وأما ابن كثير فلم يتعرض لهذه المسألة في تفسيره، ولكنه بدأ تفسيره للآية بما يدل على أنها نازلة في شأن القبلة في الصلاة، وذكر في أثناء ذلك قول مجاهد في تفسير الذي فسّر فيه الوجه هنا بالقبلة، ولم يتعقبه بشيء. ([12])

وفسّر ابن عاشور الوجه بالذات، وذكر أن هذا التفسير حقيقة لغوية، ثم قال: (وهو هنا كناية عن علمه فحيث أمرهم باستقبال بيت المقدس فرضاه منوط بالامتثال لذلك، وهو أيضاً كناية رمزية عن رضاه بهجرة المؤمنين في سبيل الدين لبلاد الحبشة ثم للمدينة، ويؤيد كون الوجه بهذا المعنى قوله في التذييل: ? إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ?) ([13]).

وبعد هذا العرض الذي ظهر من خلاله اختلاف المفسرين في تفسير الوجه هنا، وتباين آرائهم في مسألة إثبات الصفة لله U .

وحتى لا يخرج الكلام عن حدود التفسير سأقتصر على ذكر موقف المفسرين الذين هم من المعروفين بسلامة منهجهم في هذا الباب، وقد سبق ذكر موقف ابن جرير، وابن كثير.

قال السمعاني في تفسيره في أن ذكر بعض الوجوه المحتملة، ومنها قول مجاهد: (وقد ذكر الله تعالى الوجه في كتابه في أحد عشر موضعاً، وهو صفة لله تعالى. وتفسيره: قراءته والإيمان به.) ([14]) ولعله يقصد عدم الخوض في تأويله، والحديث عن كيفيته؛ لأنه قال في موضع آخر: (والوجه صفة الله تعالى بلا كيف، وجه لا كالوجوه.) ([15])

وذكر البغوي الوجوه الأربعة التي ذكرها ابن جرير. ([16])

وقال السعدي في تفسيره: (فيه إثبات الوجه لله تعالى على الوجه اللائق به تعالى، وأن لله وجهاً لا تشبهه الوجوه.) ([17])

وذكر ابن عثيمين أن المفسرين من السلف والخلف اختلفوا في تفسير الوجه في هذه الآية، فقال بعضهم: المراد به وجه الله الحقيقي؛ وقال بعضهم: المراد به الجهة. ثم قال: (ولكن الراجح أن المراد الوجه الحقيقي؛ لأن ذلك هو الأصل، وليس هناك ما يمنعه، وقد أخبر النبي r أن الله تعالى قبل وجه المصلي …) ([18])

وممن فصّل القول في هذه المسألة: شيخ الإسلام ابن تيمية؛ فقد قرر في أكثر من موضع أن هذه الآية ليست من آيات الصفات؛ لأن آيات الصفات الصريحة لم يقع فيها نزاع بين السلف.

قال رحمه الله: (يقال: "أردت هذا الوجه"، أى: هذه الجهة والناحية، ومنه قوله ? وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ? أى: قبلة الله، ووجهة الله؛ هكذا قال جمهور السلف - وإن عدها بعضهم فى الصفات -، وقد يدل على الصفة بوجه فيه نظر …) ([19])

وقال في سياق كلام له - ذكره جواباً لمن قال له من المخالفين: وجدنا ما يدل على أن السلف قد أولوا صفة الوجه -: (فقلت: لعلك تعنى قوله تعالى: ? وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ?؟

فقال: نعم؛ قد قال مجاهد والشافعي: يعنى قبلة الله.

فقلت: نعم؛ هذا صحيح عن مجاهد والشافعي وغيرهما، وهذا حق، وليست هذه الآية من آيات الصفات، ومن عدّها في الصفات فقد غلط كما فعل طائفة؛ فإن سياق الكلام يدل على المراد، حيث قال: ? وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ?، والمشرق والمغرب الجهات، والوجه هو الجهة، يقال: "أيُّ وجهٍ تريده؟ "، أي: أيُّ جهة، "وأنا أريد هذا الوجه"، أي: هذه الجهة، كما قال تعالى: ? وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ? (البقرة: من الآية148)؛ ولهذا قال: ? فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير