أ- قيل: هو ضمير نصب فيكون مفعولاً به ويعود على الناس أى: وإذا كالوا الناس أو وزنوا الناس ….
ب- وقيل: هو ضمير رفع مؤكد للواو والضمير عائد على المطففين [23].
هذا خلاف حول الإعراب مع اتحاد القراءة.
ومنه أيضاً اختلافهم حول "لا" من قوله تعالى: (سنقرئك فلا تنسى) [24]
فقيل: "لا " نافية، والآية إخبار من الله تعالى بأن نبيه - صلى الله عليه وسلم - لا ينسى.
وقيل: هى ناهية، أى: لا تنس يا رسول الله ما نقرئك إياه من القرآن، يعنى لا تتعاط أسباب النسيان.
وقد أجاب هؤلاء عن الألف اللازمة فى قوله "تنسى" مع تقدم "لا" الناهية عليها - أى الكلمة - ومن شأنها جزم المضارع بعدها، أجابوا عن ذلك بأن الألف هنا للإشباع [25]، كما فى قوله تعالى: (لا تخاف دركاً ولا تخشى) [26]، وقد لحظنا أن هذا الخلاف كائن مع كون القراءة واحدة.
وأما السبب الثالث: وهو اختلاف اللغويين فى معنى الكلمة، فمثاله، اختلافهم حول معنى لفظ "مخلدون" من قوله تعالى: (يطوف عليهم ولدان مخلدون) [27]
فقيل: معناه لا يهرمون أبداً، ولا يتغيرون فهم فى سن واحد، وشكلهم شكل الولدان دائماً، والعرب تقول لمن كبر ولم يشب: إنه لمخلد. وقيل معناه مقرطون من قولهم: خلد جاريته إذا حلاها بالخلدة وهى القرطة.
وقيل: مخلدون منعمون ومنه قول امرئ القيس:
قليل الهموم ما يبيت بأوجال وهل ينعمن إلا سعيد مخلد
وقيل: مخلدون أى مستورون بالحلية. ومنه قول الشاعر:
أعجازهن أقاوز الكثبان [28] ومخلدات باللجين كأنما
وقيل غير ذلك. وهذه الأقوال كلها تدور على معانى لفظ " مخلدون " فى اللغة، وهى كما نعلم ثرية جداً بألفاظها، غنية بمعانيها وأسرارها، ومن ثم كان شرطاً رئيساً فيمن يتصدى لتفسير كتاب الله أن يكون على معرفة واسعة بلغة العرب شعراً ونثراً، ولذلك قال مالك - رحمه الله - لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالاً.
وأما السبب الرابع:
وهو اشتراك اللفظ بين معنيين فأكثر؛ فمثاله: اختلافهم حول لفظ الصريم فى قوله تعالى: (فأصبحت كالصريم) [29]، فهو مشترك لفظى بين سواد الليل وبياض النهار.
ومنه أيضاً اختلافهم حول معنى " القرء " فى قوله تعالى: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [30] هل المراد به الحيض أو الطهر، إذ هو مشترك لفظى بينهما.
وهذان المثالان سوف يأتيان معنا فيما هو آت فى هذا البحث إن شاء الله.
وأما السبب الخامس:
وهو احتمال العموم الخصوص، فمثاله: اختلافهم حول المراد بالناس فى قوله تعالى: (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) [31] فقيل المراد بالناس هنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد حسدوه - أى اليهود - لأن الله تعالى أعطاه النبوة. وعليه فاللفظ هنا خاص.
وقيل المراد بالناس هنا العرب وقد حسدهم اليهود لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو النبى الخاتم كان منهم، وعلى ذلك فاللفظ عام.
وأما السبب السادس:
وهو احتمال الإطلاق والتقييد فمثاله: قوله تعالى فى كفارة الظهار: (فتحرير رقبة) [32]، وفى كفارة اليمين: (أو تحرير رقبة) [33] حيث أطلق الرقبة فى الموضعين ولم يقيدهما بوصف.
وفى كفارة القتل الخطأ قيدت الرقبة بوصف الإيمان هكذا: (فتحرير رقبة مؤمنة) [34]
فقيل: يحمل المطلق على المقيد فيتحصل لزوم أن تكون الرقبة مؤمنة فى الجميع وهو رأى الجمهور.
وقيل: لا يلزم ذلك فيما أطلق.
ومنه أيضاً قوله تعالى: (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) [35]، فهذه الآية أطلقت صيام الأيام الثلاثة ولم تقيدهن بتتابع ولا تفريق.
وجاءت قراءة شاذة لابن مسعود مقيدة بالتتابع هكذا: (فصيام ثلاثة أيام متتابعات)
فاختلفوا: هل تصلح هذه القراءة للتقييد أم لا؟ فذهب أبو حنيفة والثورى إلى الأول، وذهب الشافعى إلى الثانى، وسيأتى الكلام عن ذلك فى محله إن شاء الله تعالى.
وأما السبب السابع:
وهو احتمال الحقيقة أو المجاز، فمثاله: اختلافهم حول المراد بالتنور فى قوله تعالى: (حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور) [36]
فقيل: المارد به التنور الحقيقى الذى يختبز فيه، وقد كان بدار نوح عليه السلام، وقد جعل الله تعالى فوران الماء منه علامة على الطوفان الذى أغرق قومه.
وقيل: بل معنى قوله: (وفار التنور) أى برز نور الصبح.
وقيل: بل معناه اشتد غضب الله. [37]
¥