تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الأصل الثانى - ما كان من الأقوال مخالفاً لمقطوع به فى الشريعة. فهذا لا نعتيره رأياً أصلاً فضلاً عن أن نعتد به فى الخلاف فلا نستطيع مثلاُ أن نعتبر رأى من ينكر البعث مخالفاً لرأى من يؤمن به ويعتقده، ولا رأى من ينكر الصلاة أو الزكاة أو الصيام أو الحج مخالفاً لرأى من يعتقدها ويقوم بأدائها ويظهر هذا النوع فى تفسير أصحاب المذاهب المنحرفة الذين جرفهم التيار بعيداً عن شاطىء أهل الحق، فهذا رجل يتلاعب بالحدود الشرعية ويفسر آياتها حسب هواه [65]، وهذا أخر ينكر معجزات الأنبياء ويتأول الآيات الدالة عليها على غير تأويلها، وينكر وجود الجن والملائكة وينكر الحدود الشرعية ويفسر الآيات الدالة عليه حسب هواه [66] فهل يكون هذان وأمثالهما كثير فى الماضى والحاضر ممن يعتبر رأيهم فى تفسير القرآن الكريم؟ كلا وألف كلا

والعجيب أن هذا الأخير قد اختار لتفسيره عنوناً هو وكتابه أبعد ما يكونان منه فقد أسماه "الهداية والعرفان فى تفسير القرآن بالقرآن"

عرض هذا الكتاب على لجنة من علماء الأزهر، فندت آراءه وجاء فى الحكم على مؤلفه أنه "أفاك خراص، اشتهى أن يعرف فلم ير وسيلة أهون عليه وأوفى بغرضه من الإلحاد فى الدين بتحريف كلام الله عن مواضعه، ليستفز الكثير من الناس إلى الحديث فى شأنه وترديد سيرته" [67]

ولن نستطرد فى الحديث عن أصحاب هذه الاتجاهات المنحرفة فى تفسير القرآن الكريم أكثر من هذا، فشأنهم أحقر من أن نعنى بكلامهم،أو نهتم بأفكارهم ويكفى أن نعرف أنه لا اعتداد بخلافهم.

ونعود إلى الأصل الأول - وهو ما ظاهره الخلاف من أقوال المفسرين وهو فى الحقيقة ليس كذلك.

ولهذه صور عديدة منها:

الصورة الأولى.

أن يذكر فى التفسير عن النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك شىء أو عن أحد من أصحابه أو غيرهم ويكون ذلك المنقول بعض ما يشمله اللفظ، ثم يذكر غير ذلك القائل أشياء أخرى مما هو داخل تحت اللفظ المفسر كذلك فينص المفسرون على القولين فيظن أنه خلاف بين المفسرين.

وهذه الصورة هى التى عبر عنها ابن تيمية بقوله:

الصنف الثانى- أى من خلاف التنوع- أن يذكر كل منهم- أى السلف-من الاسم العام بعض أفراده أو أنواعه على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع لا على سبيل الحد المطابق للمحدود فى عمومه وخصوصه [68]

وقد مثل له ابن تيمية رحمه الله بخلاف السلف حول تفسير الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات فى قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات) (سورة فاطر آية:32)

وقد مضى تقرير هذا المثال فى بداية هذا المبحث.

ومثل له الشاطبى بخلاف المفسرين حول تفسير (المن) فى قوله تعالى (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) [69] حيث قال بعضهم المن خبز رقاق،وقيل: زنجبيل، وقيل: الترنجبين، وقيل: شراب مزجوه بالماء، وأزيد من أقوال المفسرين عما اقتصر عليه الشاطبى أن بعضهم قال: هو صمغة حلوة وقيل: عسل.

يقول الشاطبى: هذا كله يشمله اللفظ، لأن الله من به عليهم ولذلك جاء فى الحديث "الكمأة من المن الذى أنزل الله على بنى إسرائيل" [70] فيكون المن جملة نعم ثم ذكر الناس منها آحاداً [71].

ولذلك قال ابن عطية: وقيل "المن" مصدر يعنى به جميع ما منّ الله به مجملاً. [72]

فكل قول من هذه الأقوال هو عبارة عن نوع داخل تحت الإطار العام للفظ وقد ذكر لتعريف المستمع بتناول الآية له وتنبيهه به على نظيره، حيث إن التعريف بالمثال يقد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطابق، والعقل السليم يتفطن للنوع كما يتفطن إذا أشير له إلى رغيف فقيل له: هذا هو الخبز، هكذا قال ابن تيمية ثم أدخل فى ذلك أيضاً قول المفسرين: هذه الآية نزلت فى كذا- كما يعبر أحياناً فى أسباب النزول وهى عبارة ليست نصاً فى السببية - أو سبب نزول هذه الآية كذا أو نزلت فى فلان يقول ابن تيمية الذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية مختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق. [73].

وهذا الذى قاله ابن تيمية من كون سبب النزول لا يخصص حكم الآية بمن نزلت فيه هو الذى درج عليه جمهور العلماء حيث قرروا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

والحاصل أن قول المفسرين أو أصحاب كتب أسباب النزول:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير