أن يقع الخلاف فى التأويل وصرف الظاهر عن مقتضاه إلى ما دل عليه الدليل الخارجى، فإن مقصود كل متأول الصرف عن ظاهر اللفظ إلى وجه يتلاقى مع الدليل الموجب للتأويل وجميع التأويلات فى ذلك سواء فلا خلاف فى المعنى المراد. [101]
ومثال ذلك آيات الصفات، فإن للعلماء حولها اتجاهين:
أولهما: اتجاه السلف وهو الإيمان بها وتفويض علم حقيقتها إلى الله مع التنزيه المطلق لله عن مشابهة الحوادث. وقد عبر عن هذا الاتجاه أيما تعبير الإمام مالك –رحمه الله- إذ سئل عن معنى قوله سبحانه: ((الرحمن على العرش استوى)) [102] فقال: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به من الإيمان، والجحود به كفر.
وثانيهما: وهو اتجاه الخلف وهو مذهب أهل التأويل.
وحاصله اللجوء إلى تأويل هذه الصفات بما يليق وجلال الله تعالى، وقد وازنوا بينها فقيل: مذهب السلف أسلم ومذهب الخلف أحكم. وعلى كل فليس مجالنا هنا مناقشة ذلك، ولكن فى مجال التمثيل للصورة المذكورة، ومثالها متوفر فى اتجاه الخلف حول آيات الصفات وذلك أنهم يؤولونها.
ومن ذلك ما ذكروه من تأويلات لقوله تعالى: ((الرحمن على العرش استوى))
فقيل: معناه استولى، وقيل: بل هو إشارة إلى العلو والرفعة، وقيل: بل معناه أقبل على خلق العرش… .. الخ
فهذا خلاف فى تأويل النص وفى كيفية صرف ظاهره عن أن يكون مراداً، ومثل ذلك مما لا يعتد به فى الخلاف لكونهم متفقين حول الوجه الذى أوجب التأويل وهو فى هذا المثال امتناع أن يكون سبحانه مشابهاً للحوادث. فقد مضوا جميعاً فى هذا الإطار وإن اختلفت تأويلاتهم.
وبعد، فهذه صور مما لا يعتد به فى الخلاف وهى موجودة فى كتب التفسير، وقد يقاس عليها غيرها مما هو فى معناها، وقد ذكرناها كى يتبين لنا أن كثيراً مما نقرأه فى كتب التفسير على أنه خلاف لا يعتبر كذلك فى الحقيقة.
ــــــــــــــ
** الحواشي السفلية:
(1) الاتقان2/ 38
(2) الإتقان 2/ 31
(3) الموافقات للشاطبى -4/ 122.
(4) سورة الفاتحة: 5.
(5) سورة فاطر: 32
(6) مقدمة فى أصول التفسير - ص 51: 54
(7) المرجع السابق - ص 48: 67
(8) يقصد ابن تيمية بذلك أصحاب المذاهب المنحرفة عن طريق أهل السنة ممن أخضعوا آيات القرآن لمعتقداتهم ومذاهبهم كالمعتزلة والروافض وغيرهم.
(9) مقدمة فى أصول التفسير - ص 84
(10) مقدمة التسهيل -1/ 12.
(11) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى - 1/ 12.
(12) الموافقات للشاطبى - 4/ 120.
(13) راجع فى ذلك تفسير التحرير والتنوير - 1/ 46 وما بعدها بتصرف.
(14) سورة الفاتحة:5
(15) سورة البقرة:255
(16) سورة النحل:102
(17) سورة الفاتحة:4
(18) سورة البقرة: 259
(19) سورة يوسف: 110
(20) سورة إبراهيم: 46
(21) نقلاً عن مناهل العرفان - 1/ 85, 86 باختصار وتصرف
(22) سورة المطففين:3
(23) أنظر: الدر المصون- 6/ 490، فتح القدير - 5/ 500.
(24) سورة الأعلى: 6.
(25) أنظر: الدر المصون - 6/ 510.
(26) سورة طه: 77.
(27) سورة الواقعة: 17.
(28) أنظر: فتح القدير - 5/ 186، والكثبان جمع كثبة وهى: كل مجتمع من طعام أو غيره بعد أن يكون قليلاً.
(29) سورة القلم: 20.
(30) سورة البقرة: 228.
(31) سورة النساء: 54.
(32) سورة المجادلة: 31
(33) سورة المائدة: 89.
(34) سورة النساء:92.
(35) سورة المائدة: 89.
(36) سورة هود: 40.
(37) أنظر: تفسير الطبرى - 12/ 25.
(38) أنظر: إزالة الإلباس -ص 100، فقد ذكرت هناك وجوهاً أربعة لترجيحه.
(39) سورة النجم: 43.
(40) سورة البقرة: 9.
(41) أنظر: أصول التفسير لخالد العك - ص64.
(42) سورة الحجرات: 4.
(43) سورة الحشر: 14.
(44) أنظر: مبحث هل فى القرآن زائد؟ - ص150، 159.
(45) سورة البقرة: 67.
(46) سورة البقرة: 72.
(47) فتح القدير - 1/ 126.
(48) سورة آل عمران: 85.
(49) سورة النساء: 157، 158.
(50) سورة الزمر: 42.
(51) سورة البقرة: 184.
(52) سورة البقرة: 185.
(53) نواسخ القرآن لابن الجوزى - ص65: 69 بتصرف.
(54) سورة الحج: 78.
(55) سورة البقرة: 286.
(56) سورة التغابن: 16
(57) نواسخ القرآن لابن الجوزى - ص196.
(58) سورة آل عمران: 102.
(59) سورة التغابن: 16.
(60) سورة التوبة:28.
(61) الدر المنثور - 3/ 409.
(62) زاد المسير - 3/ 316.
¥