تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[29 Jun 2003, 02:53 م]ـ

الأخ الفاضل أبو مجاهد

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:

فقد قرأت المقال الذي نقلته عن غالب حسن حفظه الله ووفقنا وإياه إلى الخير، وبناءً على رغبتكم في معرفة رأيٍ في هذا المقال أقول:

أولاً: الفكرة التي طرحها الأستاذ غالب من حيث الجملة فكرة ممتازة، وهي مطروقة قد أشار إليها غيره، وهي تعود إلى النظر إلى الآيات التي تجمع أمرًا كليًّا أشبه ما يكون بالقاعدة، سواءً أكان في أمر كوني أو أمر شرعي أو أمر اجتماعي أو غير ذلك.

وكنت قد طرقت هذه الفكرة في محاضرة بعنوان (نظرات في سورة يوسف)، وقد جعلت مقدمة المحاضرة عن هذه الفكرة.

وإني أرى أن التركيز على هذه الآيات، وجعلها في بؤرة شعور المسلم يفيده أمورًا، منها:

1 ـ تفسير ما يجري له في خاصة نفسه، أو ما يجري لإخوانه المسلمين في هذه الأرض.

2 ـ السعي والعمل لهذا الدين، وعدم اليأس والقنوط.

3 ـ الصبر على المصائب.

4 ـ الرضا بالقضاء.

5 ـ معرفة أسباب الهزيمة، وعوامل الصعود والنصر.

إلى غير ذلك من الفوائد التي يجنيها على الصعيدين: الفردي والجماعي.

ومن الدراسات التي رأيتها تصبُّ في هذا المجال رسالة أصدرتها مجلة البيان، وهي الكتاب الخامس والأربعين من سلسة كتاب البيان بعنوان (الانتفاضة والتتار الجُدُد) وهي تخرج من هذه الفكرة، وتزيد عنها بذكر شواهد واقعية تثبت بها كلية هذه الأخبار القرآنية.

وإني أرى أن هذه الرسالة نموذجًا مهمًّا لمن يريدون تدريس التفسير للعامَّة، فإنهم باستشهادهم بالحياة الواقعية، وذكر أشياء يلمسونها ويتعاملون معها يستطيعون شدَّ المستمعين إليهم، واستقطاب الناس لدروسهم.

وإذا طُعِّمت هذه الدروس بشيء من القصص، وطرافة في الإلقاء فإنها ستجذب جمهورًا كبيرًا، بخلاف الدروس العلمية المتخصصة التي لا تصلح إلا لطلبة العلم.

ثانيًا: يلاحظ أن المقال غير كافٍ في توضيح ما طرحه الأستاذ، فالأمثلة التي ذكرها للقواعد التي نصَّ عليها أمثلة قرآنية، تثبت صحَّة القاعدة، وهي لا تعدو أن تكون من تفسير القرآن بالقرآن، ووجود أمثلة لموضوع كلي، مع ملاحظة أن بعض الأمثلة المطروحة للقاعدة تمثِّل قاعدة كلية كذلك.

وقد يُفهم من العنوان (التفسير التطبيقي) إيراد الأمثلة الحية التي يعيشها الناس في واقعهم، فتكون هي تطبيقات عملية لما في هذه الآيات من معنى كليٍّ، وذلك الأسلوب الذي يذكر الأمثلة من الحياة الواقعية تجده في الرسالة المذكورة بعنوان (الانتفاضة والتَّتار الجُدُد)

وهذا الأسلوب ـ فيما يبدو ـ هو الأنفع، وهو المراد من كثير ممن يرتادون دروس التفسير؛ لأن هذا مجال من مجالات إصلاح النفوس والمجتمعات، بحيث يُربطون بكتاب الله، ويكون هو الأصل الذي يستمدون من التوجيهات والهدايات.

وهذا الأسلوب قد يكون هو المراد بالمقال، لكن صاحبه لم يفصح عنه إفصاحًا تامًّا، لظروف الكتابة المقالية، والذي يشير إلى كونه أراد هذا الأسلوب قوله في نهاية المقال: ((يركز على الممارسة التطبيقية للقواعد القرآنية العامة في نواحي الوجود)) والممارسة لا تكون إلا في الواقع والخارج.

ثالثًا: إن تسمية هذا اللون من الاستنباط باسم (التفسير التطبيقي) فيه عدم وضوح، والأسلوب الذي طرح به الأستاذ مقاله راجعٌ إلى الاستنباط لا إلى التفسير، وكثيرًا ما يُنسب إلى التفسير أشياء ليست منه بسبب عدم تحديد مصطلح التفسير، كالتفسير الموضوعي الذي هو في حقيقته بحث موضوعات قرآنية، فهو ليس من التفسير بل من باب الاستنباط وذكر الفوائد، وهو أشبه بالثقافة الإسلامية في كثير من الموضوعات التي طُرِقت فيه.

والعناية بتطابق المصطلحات مع المعلومات مما يحسن العناية به، وألا تكون العناوين عناوين إعلامية صحفية براقة، ثمَّ لا ترى تحتها ما يطابقها.

رابعًا: كثر في هذا المقال العبارات والجمل التي لا يتضح معناها، وهذه ملاحظة تجدها عند بعض من يكتب في بعض الموضوعات الجديدة، حيث تراه يتزيَّد بذكر عبارات ومصطلحات يبدعها أو يتصيدها، ويطرِّز بها مقاله، فتكثر فيه حتى يتعب القارئ في فهم مراده الذي يمكن أن يؤدى بعبارة واضحة بلا تزيُّدٍ في المصطلحات والعبارات.

خامسًا: قد وقع في المقال بعض المخالفات العلمية، أذكر منها قوله: ((قال تعالى: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم).

إن هذه الآية تطرح أفقاً عقائدياً على صعيد النبوة، بل اكثر من أفق، منها:

أ - إن أي نبي يُرسل ـ كما هو رأي كثير من المفسدين ـ بلغة قومه، أي بلغة النمط الفكري الذي ينسجم مع درجة وعيهم العقلي والاستدلالي والبرهاني، لان اللغة في الآية حالة ذهنية وليست أصواتاً أو ألفاظاً فحسب، إنها مضمون ومحتوى فكري ونفسي)).

فقد نصَّ على أن معنى ((بلسان قومه)) عند كثير من المفسرين: بلغة قومه، ثمَّ فسَّر اللغة بأمرٍ حادثٍ، لا يوجد في لغة العرب، ولا في اصطلاح الشرع، وهو ما ذكره هنا، ثمَّ بنى على هذا التفسير الذي اخترعه فوائد ذكرها بعد هذا النقل الذي نقلته.

وتفسير اللغة بهذا التفسير واضح الخطأ، وهو مجانب للصواب.

وهذا الأسلوب من التفسير، وهو تفسير ألفاظ القرآن بما لا يدلُّ علية شرع الله، ولا لغة العرب يكثر عند المعاصرين من أدعياء التجديد ومن بعض من يكتب في الإعجاز العلمي أو التفسير العلمي.

وقد تجدُ بعضهم ينسب تفسيره للغة، وهو ليس كذلك، بل بلغ ببعضهم أن ينص على أن المعنى الذي يذكره اجتهاد يخالف فيه إجماع المفسرين، أو اللغويين، وكل هذا مما لا يصحُّ على الإطلاق.

هذا ما ظهر لي، وإني لأستغفر الله مما يقع فيه من خطأ، وإن أريد إلا الإصلاح ما استطعت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير