الثالثة: أما التفسير بالرأي هو أن يفسر المفسر القرآن باجتهاده ورأيه، بناء على ضوابط وقواعد معروفة ذكرها أهل العلم، وقد ذكرتِ في سؤالك أن التفسير بالرأي المذموم غير مقصود في سؤالك وفقك الله، فلا داعي للتنصيص على إن المقصود بالحديث هنا هو الرأي المقبول.
فيدخل فيه تفسير الصحابي، وتفسير التابعي، ومن بعدهم إلى زمننا هذا.
فإذاً التفسير بالمأثور قد يكون بالرأي، وينسب إلى من فسره، سواء كان من الصحابة أو من التابعين، أو من بعدهم.
فالمسألة اصطلاحية فحسب، أراد العلماء أن ييسروا التقسيمات على طلاب العلم، لدراسة تاريخ التفسير، وكيف تطور، ولكن حدث هذا الخلط غير المقصود، فالله المستعان. فأصبح الخطأ شائعاً عند المتأخرين، ينقله بعضهم عن بعض دون تمحيص، وهو أن يقسم التفسير إلى قسمين:
- تفسير بالمأثور.
- وتفسير بالرأي.
وقسموا كتب التفسير إلى:
- كتب التفسير بالأثر.
- وكتب التفسير بالرأي.
وممن يفهم من كلامه مثل هذا التقسيم الطاهر بن عاشور رحمه الله، حيث يقول في التحرير والتنوير 1/ 32 - 33: (أما الذين جمدوا على القول بأن تفسير القرآن يجب ألا يعدو ما هو مأثور، فهم رموا هذه الكلمة على عواهنها، ولم يضبطوا مرادهم من المأثور عمن يؤثر.
- فإن أرادوا به ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من تفسير بعض آيات إن كان مروياً بسند مقبول من صحيح أو حسن، فإذا التزموا هذا الظن بهم فقد ضيقوا سعة معاني القرآن، وينابيع ما يستنبط من علومه، وناقضوا أنفسهم فيما دونوه من التفاسير، وغلطوا سلفهم فيما تأولوه، إذ لا ملجأ لهم من الاعتراف بأن أئمة المسلمين من الصحابة فمن بعدهم لم يقصروا أنفسهم على أن يرووا ما بلغهم من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم وقد سأل عمر بن الخطاب أهل العلم عن معاني آيات كثيرة ولم يشترط عليهم أن يرووا له ما بلغهم في تفسيرها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
- وإن أرادوا بالمأثور ما روي عن النبي وعن الصحابة خاصة وهو ما يظهر من صنيع السيوطي في تفسيره الدر المنثور لم يتسع ذلك المضيق إلا قليلاً، ولم يغن عن أهل التفسير فتيلاً، لأن أكثر الصحابة لا يؤثر عنهم في التفسير إلا شيء قليل سوى ما يروى عن علي بن أبي طالب على ما فيه من صحيح وضعيف وموضوع ...
- وإن ارادوا بالمأثور ما كان مروياً قبل تدوين التفاسير الأُوَل مثل ما يروى عن أصحاب ابن عباس وأصحاب ابن مسعود، فقد أخذوا يفتحون الباب من شَقِّه، ويقربون ما بعد من الشُّقَّة، إذ لا محيص لهم من الاعتراف بأن التابعين قالوا أقوالاً في معاني القرآن لم يسندوها ولا ادعوا أنها محذوفة الأسانيد، وقد اختلفت أقوالهم في معاني آيات كثيرة اختلافاً ينبئ إنباء واضحاً، بأنهم إنما تأولوا تلك الآيات من أفهامهم، كما يعلمه من له علم بأقوالهم، وهي ثابتة في تفسير الطبري ونظرائه.
وقد التزم الطبري في تفسيره أن يقتصر على ما هو مروي عن الصحابة والتابعين، لكنه لا يلبث في كل آية أن يتخطى ذلك إلى اختياره منها، وترجيح بعضها على بعض بشواهد من كلام العرب، وحسبه بذلك تجاوزاً لما حدده من الاقتصار على التفسير بالمأثور، وذلك طريق ليس بنهج، وقد سبقه إليه بقيُّ بن مَخْلَد، ولم نقف على تفسيره، وشاكل الطبري فيه معاصروه، مثل ابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم، فلله درّ الذين لم يحبسوا أنفسهم في تفسير القرآن على ما هو مأثور، مثل الفراء وأبي عبيدة من الأولين، والزجاج والرماني ممن بعدهم، ثم من سلكوا طريقهم، مثل الزمخشري وابن عطية).
ومن الخطأ في هذا التقسيم أنهم يعدون تفسير جامع البيان - مثلاً – من كتب التفسير بالمأثور، وهو قد جمع بين الآثار، وبين النقد والترجيح، أي الرأي على رأي من وضع المصطلح. فيخرجون من هذا بقولهم (وممن جمع بين التفسير بالأثر والتفسير بالرأي الإمام محمد بن جرير الطبري ... ). ولو تبينوا الوجه، لعلموا أن النوعين لا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر، وأن التفسير بالماثور ليس قسيماً للتفسير بالرأي. ولي وقفة إن شاء الله حول مسألة (تحرير المصطلحات) وخاصة في الدراسات القرآنية بإذن الله في مشاركة قادمة.
وقد قسموا التفسير بالمأثور إلى أربعة أقسام هي:
1 - تفسير القرآن بالقرآن.
2 - تفسير القرآن بالسنة.
3 - تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
¥