في الآية اعتراض ضمني يقع في جملة "حمَلَتهُ أمُّهُ وهْناً على وهْن" وهذا يعني تخصيص حق الأم في التوصية الربَّانية، وما ذكرها هنا إلا من قبيل ما يقوله الفقهاء في أن لها من عمل الولد قبل الحُلْمِ جلُّه وهو مما يفيد تأكيد حقها، والله أعلم (77).
ومن الناس من لا يقيد فائدة الاعتراض بما ذكرناه، بل يجوّز أن تكون دفع توهُّم ما يخالف المقصود. وهؤلاء فرقتان، واحدة لا تشترط فيه أن يكون واقعاً في أثناء الكلام، وفرقة تشترط ذلك (78).
وقد تبسَّط القزويني في شرح وجوه الاعتراض مما لم نرَ فيه صورة للوقوف عنده كالمطابقة مع الاستعطاف، والتنبيه على أمر غريب، ومجيء معنى مستقل بين كلامين مستقلين، قد يأتي المعنى في جملة واحدة أو أكثر من جملة، أو يأتي الاعتراض بغير واو ولا فاء أو يأتي بأحدهما ... (79). ليخلص إلى القول الجامع المركَّز: "ووجهُ حُسْن الاعتراض على الإطلاق: حُسْنُ الإفادة، مع أن مجيئه مجيء ما لا معوَّل عليه في الإفادة. فيكون مَثَله مَثَل الحسنة تأتيك من حيث لا تَرتَقبها" (80).
وفي كلمة أوجز وأعمَّ، نقول إن الإطناب معنى كبير عرَّفناه في مطلع هذه المادة (بزيادة لفظية لفائدة .. ) تفرَّع هذا المعنى واتسع فاتخذ أشكالاً ووجوهاً وسماتٍ متعددة تداخل بعضها ببعض وتشابه، وفي بعض الأحيان اختلط وتشابك، ولا سيما الأنواع الخمسة الأخيرة التي اعتمدها القزويني ومن بعده، وهي: الإيغال، والتذييل، والتكميل أو الاحتراس، والتميم، والاعتراض؛ فهي شديدة التداخل والتشابه فيما بينها حتى ليصعب على الدارس في كثير من الأحيان التفريق بينها فيما عدا الأمثلة التي أعطيت لكل واحد منها، وهي مع ذلك –أي الأمثلة- يمكن نقلها من موقع إلى آخر. فتخدم الغرض الذي وضعت فيه دونما اختلاف يذكر بين ما كانت فيه وما نقلت إليه. ولعل الدارسين البلاغيين القدامى قصدوا من وراء هذه التقسيمات والتفريعات إيفاء الإطناب كلَّ ما يحتاجه من شرح وتمثيل.
الحواشي:
(1) لسان العرب، دار صادر-بيروت جـ1/ 562 (طنب).
(2) نفسه/ 561.
(3) المثل السائر، جـ 2/ 344.
(4) البيان والتبيين 1/ 194 - 195. وفي ص 201 ذم للإسهاب المتكلف، والخطل والتزيد ..
(5) الحيوان 6/ 5 - 7.
(6) الكامل في اللغة. دار الفكر العربي، القاهرة جـ 1/ 27.
(7) كتاب الصناعتين/ ص 211.
(8) نفسه/ 210 - 211.
(9) نفسه/ 213.
(10) المثل السائر 2/ 346.
(11) سورة الأحزاب/ 4.
(12) المثل السائر 2/ 350.
(13) سورة الحج/ 46.
(14) المثل السائر 2/ 350.
(15) ديوان أبي تمام-شرح وتعليق د. شاهين عطية، دار صعب. بيروت- لا. ت. ص 337.
(16) المثل السائر 2/ 352.
(17) سورة التوبة/ 44 و 45.
(18) المثل السائر 2/ 353.
(19) نفسه/ 354.
(20) ديوان البحتري جـ 1/ 591، من قصيدة يفتخر فيها بقومه. وقد أورد ابن الأثير البيت الثاني على شيء من الاختلاف عما في رواية الديوان.
(21) ديوانه 1/ 151.
(22) "تفسير أرجوزة أبي نواس" صنعة ابن جني. تحقيق محمد بهجة الأثري. مجمع اللغة العربية بدمشق، الطبعة الثانية/ ص 30 - والبيت في ديوانه/ 105.
(23) المثل السائر 2/ 355.
(24) نفسه 2/ 355 - 357. وقد اقتطفنا ما وسعنا من كلام ابن الأثير الذي يفيض بالمتعة والفائدة ...
(25) الإيضاح في علوم البلاغة، ص 301.
(26) سورة النحل/ 66.
(27) سورة الطارق/ 7.
(28) الإيضاح في علوم البلاغة/ ص 302 - 303. والبيتان غير موجودين في ديوانه ..
(29) نفسه/ ص 303.
(30) بعض الآية 238 من سورة البقرة.
(31) بعض الآية 196 من السورة نفسها.
(32) المعجم الوسيط جـ 2/ 950 (نكت).
(33) سورة التكاثر/ 3 و 4.
(34) سورة غافر/ الآيتان 38 و 39.
(35) سورة النحل/ 110.
(36) الإيضاح .. ص 305.
(37) سورة النحل/ 51.
(38) ديوان المتنبي –بشرح البرقوقي جـ 4/ 194.
(39) انظر مزيداً، لتفصيل ما أوردنا من التقسيمات الجديدة للتكرير، كتاب: "جوهر الكنز" لابن الأثير الحلبي (ت 737هـ/ 1336م) ص 257 - 259 فقد أورد شواهد أخرى أكثر دلالة وتوضيحاً.
(40) الإيضاح في علوم البلاغة/ 305.
(41) ديوان الأعشى، شرح وتعليق محمد محمد حسين. مؤسسة الرسالة ط7. بيروت 1983/ ص 111.
(42) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، جـ 2/ 57.
¥