تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهنا نسأل صاحب الشبهة: كيف عرفت أن هذا الاستعمال في القرآن خطأ أو غير فصيح؟

سيقول بداهة: من قواعد النحو والبلاغة.

نقول له: هذه القواعد فرع، وهذا القرآن أصل. ولا ينازع عاقل أن الأصل مقدم على الفرع. إذ إبطال الأصل إبطال للفرع كذلك تبعاً.

سيقول: كيف وقد تعارض الأصل والفرع؟

نقول: يكون الحل أن القرآن دليل على بطلان هذه القاعدة، إذ شرط القاعدة أن تنطلق من الدليل، وهذه القاعدة خالفت الدليل فبطلت.

وهذا وجه محكم كذلك إن شاء الله تعالى. وبه يتم الاستدلال الإجمالي ولله الحمد.

ثم أبدأ مستعينا بالله تعالى بذكر الشبه والرد عليها تفصيلياً.

الأولى في قوله تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً. قيماً). يقول: والأولى أن يقال: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيماً ولم يجعل له عوجاً).

والرد أن نقول استشكل هذا أن يفصل بين الحال وفعله بجملة اعتراضية. الفعل (أنزل) والحال للمفعول (قيماً) والجملة المعترضة (ولم يجعل له عوجاً).

وهذا يدل على جهل بقواعد النحو إذ (قيماً) يصح إعرابها هنا حالاً لفعل مقدر، فيكون الكلام: (الحمد لله الذي أنزل على عبد الكتاب ولم يجعل له عوجاً. جعله قيماً). ويدل على الفعل المقدر نفي العوج، إذ انتفاؤه دليل على الاستقامة. والعرب تحذف من الكلام ما أغنى فهمه عن ذكره.

وعلى قول من قال أن (قيماً) حال لفعل (أنزل) يكون في الكلام تقديم وتأخير، وهو جائز لغة ولا إشكال. ويبقى ما سببه؟ نقول: أنه تعالى عجل نفي العوج على إثبات الاستقامة لأن في نفي العوج تخلية وفي إثبات الاستقامة تحلية، والتخلية مقدمة على التحلية. بمعنى أن نفي النقص مقدم على إثبات الكمال، كما قال تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) وكما نقول: (لا إله إلا الله). والله أعلم.

ثم لأن كلمة (قيماً) هنا تحتمل معنى الهيمنة على الكتب السابقة أو القيام على أحكام الدنيا والآخر أو غيرهما، فقدم نفي العوج على ذلك لأنه محتمل معنىً واحد، ولو كان تأخر لكان تفسيراً ولتعين أحد المعاني في كلمة (قيماً)، ومعلوم أن دلالة اللفظ القليل على معاني كثيرة أولى من دلالته على معاني قليلة، فالحمد لله الذي جعل في كتابه جوامع الكلم.

وقد أفاد أخونا الأستاذ جمال الشرباتي جزاه الله خيراً وجهاً آخر، وهو احتمال كلمة: (قيماً) معنى القيام بإصلاح شؤون العباد فهو مكمل لغيره، فناسب أن يقدم عليها وصف: (ولم يجعل له عوجاً) لأن فيه نفي العيب عن القرآن فهو كامل في ذاته. ومعلوم أن ذكر كمال الشيء في ذاته مقدم على ذكر تكميله لغيره. والحمد لله.

الثاني في قوله تعالى: (فقالوا أرنا الله جهرة). يقول: الصواب: (فقالوا جهرة أرنا الله).

والرد أن وجه استشكاله أن (جهرة) حال من الفعل (قالوا) فكيف يفصل بينه وبين فعله بالجملة (أرنا الله).

وهذا جهل كذلك. لأن الصحيح أن (جهرة) هنا بمعنى (عياناً) وعليه فهي حال من لفظ الجلالة (الله) في جملة القول، ومن ثم فلا فصل بين الحال وفعله، ولله الحمد.

ومن استعمال القرآن الكريم (جهرة) بمعنى عياناً قوله تعالى: (قل أرأيتم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة) فيه تسمية النهار جهرة لوضوحه للعيان.

ومن فسر (جهرة) بأنها حال من الفعل (قالوا) أي قالوا ذلك معلناً واضحاً، قال أن في الكلام تقديم وتأخير، وهو جائز لغة ولا إشكال. بقي ما الحكمة من التقديم والتأخير هنا؟ نقول: عجل الله تعالى الذي قالوا على صفة قولهم لبشاعته استنكاراً له واستعظاماً. والحمد لله.

الثالث في قوله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه). قال: والصحيح: (أفرأيت من اتخذ هواه إلهه).

الرد أنه هنا استشكل أن الآية تقول أن الكافر يتخذ الإله هوىً، والصحيح – عنده – أن الكافر يتخذ الهوى إلهاً. وهذا قصور فهم، إذ لم يتدبر ما قبل هذا الكلام ولا ما بعده.

ففي سورة الفرقان يخبر تعالى ذكره أن الكفار يوجبون على الله تعالى أموراً، فيقترحون أن يغير رسوله. فهنا هم لم يتخذوا الهوى إلهاً فحسب، بل قد جعلوا إلههم على وفق ما تمليه عليهم أهواؤهم. لذلك حسن أن يوصفوا بأنهم جعلوا إلههم هواهم، أي على وفق هواهم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير