ـ[فيصل القلاف]ــــــــ[27 - 01 - 2005, 01:16 م]ـ
الحمد لله المعجز بكتابه الناس أجمعين، نحمده سبحانه أن بينه لنا بلسان عربي مبين. والصلاة والسلام على أفصح الناطقين، محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.
وبعد، فقد ذكر الأخ أتماكا بعض إشكالات طرحها بعضهم حول كتاب ربنا تبارك وتعالى. وليعلم القارئ أن الاستشكال لا ينقص من قدر القرآن ولا بيانه، وإنما ينقص من قدر المستشكل وفهمه. والأمر كما حكى لنا القرآن الكريم، إذ قال شعيب عليه الصلاة والسلام لقومه: (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) فهو على أمر واضح لا لبس فيه، ومع ذلك قالوا له: (يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول). وكما قال المتنبي رحمه الله: (ومن يك ذا فم مريض .. مراً يجد فيه الماء الزلالا).
ثم أشرع مستعيناً بالله تعالى، فالرد على هذه الشبهات يكون على وجهين: وجه إجمالي ووجه تفصيلي. فالإجمالي يتناول ردود كلية تذب هذه الشبهات وغيرها مما يماثلها، بحيث يطمئن بها القلب وتكون درعاً يحتمي به المناظر. والتفصيلي رد كل شبهة بما يخصها، وهذا أقوى في بطلانها.
فأبدأ بالرد الإجمالي.
كلنا يعلم أن أبلغ من تكلم بالعربية هم قدامى العرب الذين بعث في النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى كانت أسواق الشعر وكانت المعلقات، والله تعالى يقول لهم: (والله إنه لحق مثلما أنكم تنطقون). ثم نعلم كذلك أن أشد من حارب الإسلام وطعن فيه هم أولئك العرب أنفسهم، كما قال الله تعالى: (قل ما أسألكم عليه إلا المودة في القربى). وبهذين الأمرين يتبين لنا أمران: الأول قدرة العرب على تفنيد بلاغة القرآن وانتقاصه، إن كان فيه ما يصلح للتفنيد أو الانتقاص. الثاني حرص العرب على ذلك، وتحريهم الخطإ في كتاب الله تعالى. فإذا اكتمل في الشخص القدرة والإرادة وجب وقوع الفعل ضرورة. فإن لم يفع مع كمالهما، علمنا أنه ليس ثم ما ينتقص القرآن الكريم ليتكلموا به.
ثم مع هذا كله رأينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (أنا أفصح العرب). هكذا يعلنها صريحة في قوم يأنفون أن يخضعوا لغيرهم في شيء، فتأمل كيف خضعوا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم في أعز ملكاتهم وأظهر مهاراتهم. هذا – لا شك – يدل على تسليمهم له هذا الأمر، وعجزهم أن يباروه فيه.
بل لم يقف الأمر عند هذا، بل صارحهم صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ عليهم قوله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً) بل قرأ عليهم: (أم يقولون افتراه قل فائتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) بل قرأ عليهم: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فائتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين). هكذا تحداهم أن يأتوا بمثل القرآن أو بعشر سور منه أو حتى بسورة واحدة، فما استطاعوا.
بناء على ذلك يتقرر أن العرب قاطبة أقرت لهذا الكتاب الكريم بالبلاغة البيان، وسكوت كلهم يدل على أن ليس في كتاب الله تعالى ما يستطيع العربي البليغ الفصيح أن يعترض عليه، ولو تعنتاً.
وهنا يأتي الرد الإجمالي على أي شبهة يثيرها الأعاجم المستعربون أو العرب المستعجمون: أأنتم أعلم بلغات العرب واستعمالاتها أم عرب قريش الجاهليين المحتج بهم في اللغة؟
سيقولون ولا بد: بل عرب قريش.
نقول لهم: قد أقروا بصحة هذه الآية التي تشكل بها، مع كمال قدرتهم على النقد وكمال حرصهم عليه، وعجزوا أن يأتوا بمثله، وأقروا للناطق به أنه أفصح الناس. فأنا بين أن أقبل منك وأرد عليهم أو أن أقبل منهم وأرد عليك، ولا شك أنك لست بجانبهم شيئاً مذكوراً، فوجب علي قبول إقرارهم ورد اعتراضك.
سيقولون: فماذا تقول في هذه الشبة التي أذكرها؟
نقول لهم: لا نحن ولا أنت نعلم من لغة العرب ما علمه أهلها. فلا بد إما أنا أخطأنا الاستدلال أو أنا جهلنا وجه اللغة. واحتمال هذين الأمرين فينا كبير.
فهذا الرد الأول، وهو قوي محكم إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني من الرد الإجمالي أن نقول: مصدر استمداد اللغة العربية هو القرآن والحديث وشعر العرب وخطبها وكلامها وغير ذلك مما تكلم به العرب قبل أن تخالطهم الأعاجم بعد توسع الدولة الإسلامية. وهذا محل اتفاق بين علماء اللغة.
¥