وعليه فالجار والمجرور (في الدنيا) متعلق بفعل (يعذبهم). وعليه فلا تقديم ولا تأخير. والحمد لله.
السابع: في قوله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه). ادعى أن المعنى: (إلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح) (يرفع الله الكلم الطيب والعمل الصالح).
الرد أن المعنى ليس كما زعم، بل المعنى الصحيح: إلى الله يصعد الكلم الطيب. نقف، ثم نستأنف الكلام: والعمل الصالح يرفعه الله تعالى. وعليه فلا إشكال، ولله الحمد.
وفسر بعض أهل العلم الآية بأن المعنى أن الكلم الطيب يرفع العمل الصالح فلا إشكال كذلك، لأن ضمير الفاعل المستتر في (يرفعه) يعود على (الكلم الطيب) وضمير النصب يعود على (العمل الصالح). فيكون المعنى الكلم الطيب (قول لا إله إلا الله) يرفع العمل الصالح، لأن العمل من غير توحيد لا يقبل.
وقول ثالث أن المعنى أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، ولا إشكال كذلك. لأن القول بلا عمل زعم كاذب، وإنما يصدق المرء إن صدق قوله عمله. وهذا المعنى بناء على أن الضمير المستتر في يرفعه عائد على (العمل الصالح) وأن الهاء عائدة على (الكلم الطيب).
وهذان القولان اختلفا في عود الضميرين: ضمير الرفع وضمير النصب. فهل هذا يمدح به القرآن أم يذم؟ بل هذا من أوجه جمعه للكلم، حيث يدل على المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة، وذلك لأن الضمير يدخل في باب المشترك اللفظي، وعند عدم القرينة يجب حمله على كل المعاني ما لم تكن معارضة، ولا تعارض بينها هنا، فيكون كل المعاني مقصودة لله تعالى مرادة، وليس الشأن كما زعم هذا الفاهم خطأاً أن الله تعالى دل على مراده لكن بإيهام غيره. لا وكلا، بل كلام ربنا واضح جلي.
الثامن: في قوله تعالى: (ولا تستف فيهم منهم أحداً). يقول: لا يفهم عودة الضميرين في (فيهم) وفي (منهم) على من؟ أعلى (أصحاب الكهف) أم على (الكفار المتقولين بغير علم)؟
الرد سبب هذا الاستشكال هو قلة فهم المستشكل، لأن الضمير في (فيهم) يعود على المسؤول عنهم، وهم أصحاب الكهف، والضمير في (منهم) يعود على المسؤول وهم الكفار المتقولون. ويمتنع أن يكون غير هذا. وعليه فلا إشكال في الآية، لكن في فهم القارئ هداه الله. بقي ما الحكمة من إضماره الاثنين ولم يصرح بأي منهما؟ ذلك لأنه أخصر مع كونه غير ملتبس، فكان أولى. والحمد لله.
التاسع: في قوله تعالى: (قل هو الله أحد. الله الصمد). قال: لماذا نكرت (أحد) وعرفت (الصمد).
الرد أن الاستشكال نشأ من جهل بأسباب التنكير والتعريف عند العرب. فهنا قد نكر الله تعالى لفظة (أحد) لأن تعريفها لا يزيدها شيئاً إلا كثرة الحروف، إذ ليس واحد لا شفع له إلا الله تعالى، كما قال تعالى: (ليس كمثله شيء) وقال تعالى: (فلا تضربوا لله الأمثال) وقال تعالى: (ولله المثل الأعلى). ولو عرفت (أحد) لتوهم متوهم أن ثم واحد غيره، وأن التعريف هنا لتحديد أيهم هو المراد، وهذا باطل قطعاً. لذا وذاك كان مقتضى الحكمة البالغة التنكير.
أما الصمد فهو المقصود في الحوائج. ومعلوم أن الإنسان في حوائجه يقصد من كان قادراً من البشر ويقصد المشركون آلهتهم إلى غير ذلك، فجاء التعريف ليبين أي المقصودين هو المراد. ولا يمتنع أن تكون (أل) هنا للاستغراق، أعني لاستغراق الصفات، فيكون الصمد الذي اكتمل فيه القدرة على الإجابة، كما تقول: فلان الرجل أي الذي اكتمل فيه صفات الرجال. ولا يمتنع كذلك أن تكون (أل) هنا للعهد الذهني، أي الصمد الذي هو وحده مستحق لأن يصمد إليه الخلق لا أي صمد.
وبهذا تتهافت الشبهة ولله الحمد.
العاشر في قوله تعالى: (وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا). يقول: كان ما الحكمة من التأنيث مرة والتذكير مرة؟ لم لم يطرد أحدهما؟
الرد أن الاستشكال جاء من جهل المشبه بمعناني التاء عند العرب. فالتاء هنا في (خالصة) ليست للتأنيث وإنما هي للمبالغة كما تقول عن العالم علامة وعن العارف بالأنساب نسابة، فيكون المعنى أن تلك الأنعام في غاية الحل ولا شيء من الإثم فيها على الذكور. وبهذا فلا إشكال، ولله الحمد.
كما يمكن أن تكون (خالصة) هنا مصدراً، كما تقول: (فلان خالصة فلان) أي صفوته. والمصدر يكون مذكراً، وعليه فلا إشكال كذلك، ولله الحمد.
¥