تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثم قال: ولعل الوجه - والله أعلم - أن يكون من باب {حتى يلج الجمل في سم الخياط} {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى}. وأشار إليه سلمه الله - يريد الفاضل الطيبي - وذكر أنه وقف بعد ذلك على نص من قبل الزجاج. انتهى.

يريد أنه تقييد بالمحال في الآيتين، وعصاة الموحدين داخلون في السعادة فإنهم خالدون في الجنة وإن تأخر دخولهم إياها. فإنه من المعلوم أن الداخلين إلى الجنة لا يدخلون دفعة واحدة، بل يدخلون أرسالاً، بل فيها من يسبق إليها بمقدار خمسمائة عام كما ثبت ذلك في فقراء المهاجرين.

10. والذي رجحه الفخر الرازي بعد سرده للأقوال وتعقبه لها أن عصاة الموحدين داخلون في الأشقياء محكوم عليهم بهذا الحكم، وقوله: {إلا ما شاء ربك} يوجب أن لا يبقى حكم الخلود لبعض الأشقياء. ولما ثبت أن الخلود واجب للكفار، وجب أن يقال الذين زال حكم الخلود عنهم هم الفساق من أهل الصلاة. وهذا الكلام قوي في هذا الباب. انتهى.

وأقول [الصنعاني]: يرد عليه في هذا الوجه الذين استقوا إلى ما أورده هو على من قال إن معنى الاستثناء في آية أهل النار أنهم ينقلون من عذابها إلى الزمهرير، فإنه أورد عليه ما أسلفناه من أنه [ينبغي] أن لا يحصل العذاب بالزمهرير إلا بعد انقضاء مدة السموات والأرض، فيقال عليه: هذا عين ما قاله هناك أنه يلزم أن لا يخرج عصاة من الموحدين عن النار، إلا بعد انقضاء مدة السموات والأرض، ولا دليل عليه، بل الأدلة قائمة على خلافه كما قدمناه في التثنية مما سبق. فالحق ما قدمناه لك من أن إيراده غير وارد على من أورده ولا لازم له لبطلانه في نفسه [وعليه فلا يعترض به على الرازي].

هذا، وكلام الفخر الرازي هذا هو كلام المفسرين من أئمة السنة، وذكره سعد الدين في شرحه على التلخيص، لأنه جعل الاسثناء في الآيتين معا لإخراج عصاة الموحدين، وأن المراد بعدم خلودهم في الجنة فراقهم لها أيام عذابهم، وأنهم داخلون في السعداء باعتبار الإيمان وفي الأشقياء بسبب المعاصي.

ولكن فيه ما عرفت من أن الاستثناء إنما هو من المحكوم عليهم بدخول الجنة خالدين فيها، وعصاة الموحدين قبل دخولهم لا يصح في حقهم الاستثناء كما عرفته. وقد نبه على هذا المحقق الشريف في حواشيه على المطول حيث قال:

أقول [الشريف]: الخلود إنما هو بعد دخول الجنة، فكيف ينقضي بما سبق على الدخول؟! فالصواب أن يقال: الاستثناء الأول محمول على ما تقدم من أن فساق المؤمنين لا يخلدون في النار، وأما الثاني فهو محمول على أن أهل الجنة لهم سوى نعيمها ما هو أجل وأكبر - وهو رضوان الله عز وجل وبقاؤه - لا على أن فيهم بعضاً يخرج. انتهى.

ولا يخفى أن كلامه [الشريف] في الاستثناء الثاني هو كلام صاحب الكشاف بعينه، وأنه يرد عليه ما أورده صاحب الإتحاف، وقد سبق لنا رده كما عرفت، وهكذا يرد عليه ما أورده صاحب الكشف كما سبق قريباً أيضاً.

فالأحسن أن يقال أن الاستثناء في آية الجنة من باب {حتى يلج الجمل في سم الخياط} تقييد بالمحال، وأن من دخل الجنة لا يخرج منها أبداً بدليل الإجماع المعلوم ضرورةً من الدين، وبدليل قوله تعالى: {عطاء غير مجذوذ}. و [الاستثناء] في آية أهل النار محمول على ما ذكر من خروج الموحدين. ولا يقال أن هذا يوجب اختلافاً في نظم الكلام، حيث عدل بالاستثناء الثاني عما حمل عليه الاستثناء الأول مع أنهما سيقا مساقاً واحداً، لأنا نقول: قد دفع الشريف هذا الإيراد لأنه ورد ما وينهي إليه (!!) بقوله: الأول محمول على الظاهر وقد عدل بالثاني عنه بقرينة واضحة مما ذكرنا، فلا إشكال ولا اختلاف.

إذا عرفت حقيقة هذه الأقوال التي حققها الاستدلال وأساطين المفسرين وعيون العيون من المحققين، عرفت أن آية الاستثناء - كما قال صاحب الكشاف - من المعضلات، وقد اختلفت فيه كما رأيت أذهان المحققين الأثبات، وقد سبق قول ابن القيم في آية الاستثناء في أهل الجنة: أنه على كل تقدير أن الاستثناء فيه من المتشابه وأن المحكم قوله تعالى: {عطاء غير مجذوذ} {وظلها دائم} وآيات الخلود التي وردت في الكتاب العزيز. فلك أن تقول بغير هذا القول في آية الاستثناء في أهل النار؛ أنه من المتشابه وأن المحكم: {خالدين فيها} و {ما هم منها بمخرجين} [نبه الألباني أن ذكر هذه الآية في خلود أهل النار سهو، فهي في أهل الجنة] والآيات المصرحة بخلود أهل النار في القرآن كثيرة جداً، وسيأتي عدّ بعضها، فيرد المتشابه - وهي آية الاستثناء - إلى المحكم.

وقد حكم الله بخلود أهل النار في النار، وتواترت الأحاديث بإخراج عصاة الموحدين، وقد ورد الاستثناء: فلا ندري ما أراد الله؛ هل هو إخراج العصاة من الموحدين كما قال جماهير أهل السنة، وهو المروي عن ابن عباس كما أسلفناه عنه؟ أو هو قريب أو هو عين المراد؟

أو أراد به أمراً استأثر الله بعلمه، فنقول: آمنا بالله كل من عند ربنا؟

وقد أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم [بسند صحيح] عن قتادة في قوله تعالى: {إلا ما شاء ربك}: فإن الله أعلم ثنيته [ثنيته أي استثناءه أي قوله إلا ما شاء ربك] على ما وقعت.

انتهى المقصود، وما كان بين هذين القوسين [و] فمني للإيضاح أو الإصلاح، وقد استفدت بعضه من تحقيق العلامة الشيخ الألباني رحمه الله. وما كان بعده هكذا (!!) ففيه اضطراب؛ إما خطأ في النسخ أو أني لم أفهمه. وذكرت قبل كل قول رقمه، فتحصل أنها عشرة أقوال.

والله أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير