تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لا أدري ما حمله على ما لا تقبله العقول في حمل الاستثناءين على الخروج إلى الهموم والغموم في أهل النار وإلى رضوان الله في أهل الجنة ونحو ذلك مما ذكر، والغموم ملازم أهل النار، ورضوان الله ملازم لأهل الجنة ولأجله دخولها، وكذلك سخط الله لأهل النار. وكيف الخروج من الأمور الحسية - وهي الجنة والنار - إلى المعنوية - وهي السخط والرضى - وسائر ما ذكرناه مما اشتمل عليه دار العقاب ودار النعيم؟! انتهى.

ثم جنح [صاحب الإتحاف] إلى حمل الاستثناء في آية هود على الوجه الذي حمله عليه صاحب الكشاف في آية الأنعام [وهو أنه من باب قولك: لأعذبنك إلا أن أرى غير ذلك]. وقد سبق ذكره.

هذا إن لم يحمل كلام صاحب الكشاف على ما روي عن ابن مسعود، وإن حمل عليه، لم يتم إيراد صاحب الإتحاف. كما أنه لا يرد على صاحب الكشاف ما أورده عليه الرازي.

وكلام الإتحاف هذا صحيح، إلا قوله: (إن رضوان الله لازم لأهل الجنة ولأجله دخولها). فإنه قد يقال أنه أخرج أحمد والشيخان والترمذي والنسائي والبيهقي في (الأسماء والصفات) من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة. فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك. فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: ربنا، وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟! فيقول: إني أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: رب وأي شيء أفضل من ذلك؟! قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي عبد الملك الجهني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رضوان الله على أهل الجنة نعيمهم بما في الجنان. [علق الألباني هنا أن لعل الصواب: لنعيم أهل الجنة برضوان الله عنهم أفضل من نعيمهم بما في الجنان].

وهذا دال على أن رضوان الله تعالى هذا متأخر عن دخول أهل الجنة، والآية التي ساقها في الكشاف [وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر] دالة على ذلك أيضاً، فإنه جعل رضوانه تعالى الأكبر قسيماً للجنات.

ولعله يقال: إن هذا الرضوان الذي يبشرهم به الرب ويخاطبهم به الموصوف بأنه لا يسخط بعده أبداً متأخر، وهو المراد من الآية والحديثين، ومجرد الرضى حاصل لهم من أول الأمر كما يدل له قوله تعالى: {يا أيتها النفس المطمئنة. ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي} فإنه دال على الرضى من أول الأمر قبل دخول الجنة. ويحتمل أنه خاص بصاحب هذه النفس المطمئنة.

والحاصل أن هذا الرضى الذي أراده صاحب الكشاف واستدل عليه بالآية متأخر، وهو المراد من الحديثين، ولا ينافيه مجرد الرضى اللازم لأهل الجنة، فلا يرد اعتراض صاحب الإتحاف عليه.

وأما قوله: (والهموم والغموم لازمة لأهل النار) فقد أشار إلى جوابه المحقق أبو السعود فقال:

ولك أن تقول إنهم ليسوا مخلدين في العذاب الذي هو عذاب النار، بل لهم من أفانين العذاب ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وهو العقوبات والآلام الروحانية التي لا يقف عليها في الدنيا المنغمسون في أحكام الطبيعة. المقصود إدراكهم ما ألفوا به من الأحوال الجسمانية، وليس لهم استعداد لتلقي ما وراء ذلك من الأحوال الروحانية. وهذه العقوبات [الروحانية]- وإن كانت تعتريهم وهم في النار - لكنهم ينسون بها عذاب النار ولا يحسونها، وهذا كاف في تحقيق معنى الاستثناء. انتهى كلامه.

وهذا وجه حسن محتمل على أنه الذي أراد صاحب الكشاف، ويندفع به اعتراض صاحب الإتحاف.

هذا وفي الكشف على الكشاف ما لفظه:

هذا في أهل النار ظاهر، لأنهم ينقلون من حر النار الى برد الزمهرير. والرد بأن النار عبارة عن دار العقاب غير وارد، لأنا لا ننكر استعمال النار فيها تغليباً. أما دعوى الغلبة حتى هجر الأصل، فلا، ألاترى إلى قوله: {ناراً تلظى} [أي وثم نار أخرى لا تلظى] وقوله: {وقودها الناس والحجارة} وكم وكم. وأما رضوان الله عن أهل الجنة وهم فيها فيأبى الاستثناء، كيف وقوله: {خالدين فيها} لا يدل بظاهره على أنهم منعمون بها، فضلاً عن انفرادها بنعيمهم بها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير