فبلغ ذلك الحجاج، فقال: ما أيسر ما تَعَلَّق فيه يا ابن أخي، أليس الله تعالى يقول: ?فَمَن شَرِب منه فليس منِّي ومن لم يَطعَمهُ فإنَّهُ منِّي?.
قال الجاحظ: في قوله تعالى: ?إنَّ الله لا يَسْتَحْيي أنْ يَضْرِبَ مَثَلا ما بَعوضَةً فما فوقَها ?يريد فما دونها،
وهو كقول القائل: فلان أسفل الناس، فتقول: وفوق ذلك، تضع قولك (فوق) مكان قولهم: هو شرٌ من ذلك.
وقال الفَرَّاء: فما فوقها في الصِّغَر، والله أعلم.
قال المُبرد: من الآيات التي ربما يَغْلَط في مجازها النحويون قول الله تعالى: ?فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلِيَصُمْهُ ?والشهر لا يغيب عن أحد.
ومجاز الآية: فمن كان منكم شاهد بلدة في (الشهرَ) فليصمه، والتقدير: فمن كان شاهدا في شهر رمضان فليصمه، ونصب (الشهرَ) للظرف، لا نصب المفعول.
والمجاز قسمان: لغوي وعقلي.
فاللغوي ما استفيد فهمه عن طريق اللغة وأهل اللسان بما يتبادر إليه الذهن العربي عند الإطلاق في نقل اللفظ من معناه الأولي إلى معنى ثانوي جديد.
والعقلي ما استفيد فهمه عن طريق العقل، وسبيل الفطرة من خلال أحكام طارئة، وقضايا يحكم بها العقل لدى إسناد الجملة.
المجاز: أولا: التشبيه
تعريف التشبيه: لغة: هو التمثيل، يقال: هذا مثل هذا وشبهه.
واصطلاحاً: هو عقد مماثلة بين شيئين أو أكثر وإرادة اشتراكهما في صفة أو أكثر بإحدى أدوات التشبيه، نحو: خالد كالأسد في الإقدام.
أركان التشبيه أربعة: عند تأمل المثال السابق نرى أنّها:
المشبّه: خالد؛ والمشبّه به: الأسد؛ ووجه الشبه: الإقدام؛ وأداة التشبيه الكاف.
والركنان الأوّلان ـ وهما المشبّه والمشبّه به ـ يسميّان طرفي التشبيه.
أقسام التشبيه باعتبار حال طرفيه: ينقسم من حيث طرفيه إلى أربعة أقسام:
1 - تشبيه المحسوس بالمحسوس: وهو أن يكونا مدركين بإحدى الحواسّ الخمس: نحو: (كأنهن الياقوت والمرجان)، صوت المدافع كالرعد؛ عصيرها كالعسل المصفى،
وقد يكون المشبه واحدا من هذه الأمور والمشبه به واحدا آخر، نحو: كلامه كالماء الزلال. ويدخل في هذا الضرب:
التشبيه الخيالي، وهو المعدوم المؤلف من من أمور عدة يمكن إدراك كل واحد منها بالحس، نحو:
خودٌ كأنّ بنانها ************ في خضرة النقش المُزَرّدْ
سمك من البِلّوْر في ************** شبَك تكون من زبرجدْ
فالسمك الذي من هذا الضرب والشبك الذي من هذا الصنف لا يوجدان في الواقع حتى يُدركا بالحواس، ولكن هذه الأجزاء منفردة موجودة ويمكن إدراكها بالحواس.
2 - تشبيه أمر عقلي بآخر عقلي: نحو: العلم حياة، والعصبية جهل.
3 - تشبيه المحسوس بعقلي، نحو قول الشاعر:
أَهديتُ عطرا مثل طيب ثنائه ************ فكأنما أهدِي إليه أخلاقَه
وقد أدخل علماء البيان في هذا النوع:
التشبيه الوهمي، وهو ماليس مدركا بإحدى الحواس الخمس، لكنه لو أدرك لكان مدركا بها، نحو ما ورد في شأن شجرة الزقوم: ?إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ?.
وقول امريء القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ************ ومسنونةٌ زرق كأنياب أغوال
4 - تشبيه العقلي بمحسوس، نحو: (?وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا?)، ونحو: العلم نور والجهل ظلام.
تقسيم طرفي التشبيه باعتبار الإفراد والتركيب: ينقسم باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلى:
1 - تشبيه مفرد: وهو ما كان فيه الطرفان مفردين، وهو ثلاثة أقسام، ما كان فيه الطرفان:
أ - مطلقين، نحو: شعر كالليل؛ وجه كالبدر.
ب - مقيّدين، نحو: العلم في الصغر كالنقش في الحجر، ونحو قول الشاعر:
والشمس بين الأرائك قد حكت ************ سيفاً صقيلاً في يدٍ رعشاءِ
ج - مختلفين، بأن يكون المقيد هو المشبه نحو:
إذا الأرض أظلمت كان شمسا ****** وإذا الأرض أمحلت كان وبْلا
أو يكون المقيد هو المشبه به، نحو:
أغرُّ أبلجُ تأتمُّ الهداة به ******** كأنه علم في رأسه نار
2 - تشبيه مركّب بمركّب، كقوله:
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا ********* وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه
فالمشبه هو مجموع الغبار والسيوف المتألقة في خلاله، والمشبه به الليل الذي تتهاوى كواكبه.
التشبيه باعتبار وجه الشبّه: ينقسم التشبيه باعتبار وجه الشبه الى ستة أقسام:
¥