تمليه طبيعة إدراك الحواس لها، وذلك عند ضم بعضها إلى البعض الآخر بإطار من الوضوح والقرب والتكافؤ.
2 - الاستعارة فن قولي، قد يجمع بين المتخالفين، ويوفق بين الأضداد، ويكشف عن إيحائية جديدة في التعبير، لا يحس بها السامع في الاستعمال الحقيقي، وهي من أبرز صور البيان العربي، جلى فيها القرآن بكثير من مواطنه، وتناولها الحديث في جملة من شذراته، وتداولها الشعر العربي في أوابده وشوارده.
إننا نستطيع أن نلمس في الاستعارة عدة خصائص فنية يمكن إجمالها بالشكل الآتي:
أ_ إن الاستعارة تنتقل بالنص من الجمود اللفظي المحدد له إلى السيرورة في التعبير، والمرونة في الاستعمال، ألا ترى إلى قوله تعالى: واشتَعَلَ الرّأسُ شَيباً.
إنك تقف مبهوراً أمام بلاغة التعبير، ودقة المعنى، وسيرورة الألفاظ، فالمستعار منه هو النار، والمستعار له هو الشيب، وقد جمعهما معنى حسي بوجه حسي، وهو التوهج، وإنك لا تجد ذلك في: وازداد الرأس شيباً، ولا في: شاب رأسي، ولا في غيرهما عند التقدير، فكأن اللفظ بصيغته الاستعارية وضعت لهذا المعنى السيار.
ب_ يتجلى في الاستعارة إعطاء صفة الفعل لمن لا يفعل، وإضاءة الكائنات بالتصرف وإن لم تتمكن، ألا ترى إلى قوله تعالى: إذا أُلقوا فيها سَمِعوا لها شهيقاً وهي تَفورُ، تَكَادُ تَميَّزُ من الغيظِ كُلما أُلقي فيها فوجٌ سألَهُم خزنَتُها ألم يأتِكُم نذيرٌ وما فيه من إضفاء صفة من يعقل إلى ما لا يعقل، ومزية من يعمل إلى من لا يعمل، وفضيلة الفعل إلى من لم يفعل.
حيث نجد الاستعارة قد حققت في الألفاظ الثلاثة: الشهيق، تميز، الغيظ، دلالة لا يمكن استيعابها في الألفاظ الاعتيادية لو استبدلت فيها، وفي هذا الاستعمال صوت نار جهنم بصورة هائلة تخيلتها ازددت منها رعباً، وملئت منها فزعاً، وكأنها مخلوق ذو قوة وبطش، ومجهول ذو منظر عبوس.
ج _ يتمثل في الاستعارة، تهويل الأمر، ودقة المبالغة، وشدة الوقع، ويمثل هذا الملحظ قوله تعالى: ذَرني وَمَن خَلَقتُ وَحيداً.
فالمراد ذر بأسي، وأترك عذابي وعقوبتي، إلا أن المبالغة في التهديد، والشدة في الوعيد، اقتضت نسبة ذلك إليه _تعالى _ ولو استعمل غير هذا اللفظ لما قام مقامه، ولا أدى دلالته، ولبقيت الصورة المرادة غير ماثلة للعيان كما هو الحال الآن.
د_ تريك الاستعارة في تعبيرها إشاعة الحياة في الجماد، وإفاضة الحركة عند الكائنات، وكأنها ناطقة تتكلم، ومكلفة تمتثل، وقادرة تتصرف، كما في قوله تعالى:
ثُمَّ استوى إلى السّماءِ وهي دُخانٌ فقالَ لها وللأرضِ ائتيا طوعاً أو كَرهاً قالتا أتينا طائعينَ.
وفي هذا دلالة على التوسع في اللغة، والمبالغة في الإيجاز، والتفنن في التصوير، فإشاعة الحركة في السماء والأرض تغني عن شرح إطاعتهما وكيفيته بالتقدير أو التسخير، وإضافة هذه المقدرة في الاستماع والاستجابة تكفي عن البيان المستفيض في الإبداع، وتصورها بهيئة من يعي ويسمع وينطق تغني عن التمثيل والتشبيه.
ه _ يلاحظ في الاستعارة التقريب الوصفي، ومراعاة المناسبة، ولمح الصلة بين الأصل والنقل الاستعاري، وذلك كقوله تعالى: وءايةٌ لَّهُمُ الَّيلُ نسلَخُ منهُ النّهارَ ....
"وهذا الوصف إنما هو على ما يتلوح للعين لا على حقيقة المعنى، لأن الليل والنهار اسمان يقعان على هذا الجو عند إظلامه لغروب الشمس وإضاءته لطلوعها، وليسا على الحقيقة شيئين يسلخ أحدهما من الآخر، إلا أنهما في رأي العين كأنهما ذلك، والسلخ يكون في الشيء الملتحم بعضه ببعض، فلما كانت هوادي الصبح عند طلوعه كالملتحمة بإعجاز الليل اجرى عليها اسم السلخ، فكان أفصح من قوله لو قال: نخرج، لأن السلخ أدل على الالتحام المتوهم فيهما من الإخراج".
وكل ما تقدم من خصائص يوحي بأن الاستعارة هي التي لونت هذه الصور، وكشفت أصالة ما يريد القرآن في التعبير عنه بآياته المشتملة على الاستعارة لغرض خاص يمنحها قوة الأمثال من جهة في السيرورة والانتشار، والدرجة البلاغية في المتانة والجودة من جهة أخرى، بحيث يعود لفظ الاستعارة متميزاً لا يسد مسدّه لفظ آخر، ولا يشاكله تعبير مقارب، وتلك لمحات فنية مؤثرة، وأسرار جمالية متناهية آثرت التصوير الاستعاري بإضافات تحدت المفهوم الحقيقي للكلمات في أصل اللغة، وبذلك بلغت الاستعارة في القرآن الكريم مرتبة الإعجاز، وفاقت المستوى الحضاري للكلمات في ذروة تطورها وعطائها عند العرب.
ـ[أبو مالك]ــــــــ[04 - 04 - 2005, 09:39 م]ـ
هذا جزء صغير من بحث تجدونه على الرابط التالي
مزج الطاقة العربية بالطاقة الاسلامية ( http://www.alokab.com/forums/index.php?showtopic=2116)
أرجو من العلي القدير أن تستفيد منه الأمة وهي في رحلة نهضتها لاقتعاد الذروة ثانية من خلال دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[05 - 04 - 2005, 12:27 ص]ـ
الأخ الكريم أبا مالك وفقه الله
بحث (مزج الطاقة) لا ينفتح. هل من الممكن أن تدرجه هنا؟
تقبل تحيتي.
¥