تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اعتادت على الربط بين لفظ ومعنى واحد، ومع كثرة توارد ذلك اللفظ على الذهن بإزاء ذلك المعنى ظن الذهن أن اللفظ لم يوضع إلا لذلك المعنى، مع أن الدلالة نشأت عن الاقتران الأكيد بين اللفظ والمعنى.

والظن بأن اللفظ لم يوضع إلا لذلك المعنى، هو من قصور الذهن الذي طبع عليه، والواقع قد يكون بخلاف ذلك، ولذلك رأينا القوم يطلقون على استعمال مثل الصلاة بالمعنى الشرعي حقيقة شرعية، وذلك لأن الذهن اعتاد في تلقي نصوص الشرع على الربط بينهما، مع يقينهم أن الصلاة لم تستعمل في ذلك المعنى في اللغة، فليتهم أجروا مثل هذا في جميع النصوص الشرعية، ولكنهم لما وجدوا مثل هذا لا يسلم لهم في صفات الله ارتكبوا القول بالمجاز.

والقوم ظنوا أن العرب لم يستعملوا العمى إلا في عمى البصر، والسبب في ظنهم هذا ما ابتلي به القوم من تقديس العقل والتبعية له فيما يمليه، ولذلك وجدناهم ينفون جميع صفات الله، وبعضهم لا يثبت له منها إلا سبع صفات أو ثمان، والسبب في ذلك الاقتران بين العضو البصري والمحسوس فرأوا أن المحسوس مركب، والتركيب يلزم منه الحاجة وينافي الوجوب، فتقررت هذه القضية في أذهانهم وكانوا قد تلقوها من شفاء ابن سيناء ورسائل الفارابي والكندي وصاحب المعتبر، وابن رشد، وهؤلاء تلقوها من كتب اليونان، التي ترجمت في عصر المأمون، فرأوا أنها موافقة للعقل وللحقيقة من حيث هي، ثم نقلوا هذه القضية بحذافيرها لعلم العقيدة وأخذوا يقررن العقيدة من ذلك المنطلق. فجعلوا الخالق كالمخلوق، ورأوا أن ما يقرره العقل فهو الحق، وخلافه باطل، ووجدوا بغيتهم في ذلك في القول بالمجاز والتأويل، فقدماء المتكلمين كانوا يتداولون التأويل، ثم اشتهر المجاز عند المتأخرين.

الثالث: اعتادت الأذهان تبعا لكثرة ما توارد عليها من بلاغة مصطلح المجاز، وهذا التعود هو ما يدفع بعض العاشقين لهذا المصطلح للاستماتة في الدفاع عنه، مع اعتقاده أن ما قرره علماء البيان هو الجمال الحقيقي، ولو علم سبب عشق القوم لهذا المصطلح الذي جعلهم يدعون أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وأنه أكثر من الحقيقة، وكلها قضايا نتجت عن أصل لا يسلم لهم، وهو القول بسبق الوضع والتعيين. أقول لو علم ذلك وطالع ما قرره القوم تبعا لذلك في باب الأسماء والصفات والقضاء والقدر لزال العجب، ولكن أكثر المعجبين بهذا الفن من المختصين باللغة لا يعتنون بالجانب العقدي من حيث التأصيل والنظر وسعة الاطلاع، وإنما تلقوا هذا المصطلح، بعد أن نزع من سياقه الخاص به الذي نشأ فيه وترعرع (علم المنطق والكلام)، وهذب خارج ذلك السياق، كعلم مستقل أو تابع لعلم الأصول، ورُبّي كما يُربي الفُلو، فتلقاه غير المختصين بالعقيدة بالقبول والتسليم كابن شرعي للغة، وهو في الحقيقة غير شرعي، وإنما نتج من لقاح العقل اليوناني المتمثل في منطق القوم مع رطانة بعض العجم فأنتج هذا المصطلح وأُدخل على لغتنا الحبيبة، وتقبله كثير من العلماء، وكثير منهم أشاعرة، وهم من المنظرين له، بل ومن المنظرين في باب العقيدة، ومنهم الجرجاني والسعد وزكريا الأنصاري، والعصام والفناري وحفيد العصام والأنبابي واالبناني وابن القاسم والرازي والزمخشري وعبد الجبار والهذيل والجبائي والنظام والآمدي والعضد والخلخالي والخيالي والدواني والسيوطي والسبكي الكبير والصغير وابن الحاجب والبيضاوي والصبان والأمير وعبد الحكيم ويس العليمي والدسوقي، ...... ، وغيرهم كثير [لم أرتب القوم بحسب وفياتهم، وبعضهم معتزلة]

وأخيرا فمسألة القول بالمجاز تذكرني بمسائل أخرى منها:

القول بمركزية الأرض للكون وهو مما كان شائعا ومعروفا ومسلما به عند علماء الهيئة (وهم من علماء المجاز والعقيدة) وسار عليه الجغميني في ملخصه ونصير في تذكرته وبنى عليهما المحشون في ذلك، وكذلك المسعودي والبيروني وغيرهم كثير، وكذا في المواقف وحواشيه والتجريد وحواشيه وغيرها، ثم جاء العلم الحديث لينسف ذلك كله.

وكانوا يعتقدون عدم الخرق للأفلاك وفقا لما أصله الفلاسفة، ويرون أن الكون على طبقات (الأرض ثم الماء، ثم الهواء، ثم النار، فالأفلاك) وأن الشمس وغيرها لا تتحرك بنفسها بل بتحرك فلكها وكذا باقي الكواكب السيارة بناءا على عدم الخرق، وأن ثمة عدة أفلاك كالتدوير والحاوي والمحوي والجوزهر إلى غير ذلك من الأقوال الوافدة من اليونان، وقد كانوا في وقتهم يرون أن تلك القضايا من المسلمات والحقائق وأن اللذة والجمال لا يمكن في غير ذلك التصور.

ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[09 - 06 - 2006, 10:31 ص]ـ

الأخ العزيز نائل ..

سلام عليك، وبعد:

نشكر لك اهتمامك بإثراء المنتدى، وانتقائك للباحثين مواضيع تشغل فكرهم في عطلة الصيف القريبة .. ولكن موضوع المجاز قد تجاوزنا فيه مرحلة طيبة .. والحمد لله رب العالمين ..

أجزت وأصبت.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير