وتقديمه للمصدر على الظرف, لأن دلالة الفعل على المصدر أقوى من دلالته على الظرف, " ولأن الفعل ينصب المصدر وظرف الزمان وظرف المكان, ونصبه للمصدر أقوى من نصبه للظرفين. لأن الفعل إنما ينصبُ ظرف الزمان بالحمل على المصدر, وكان الأصل أن يتعدى إليه بحرف جر, وأما ظرف المكان فانتصب على ظرف الزمان, وكان الأصل أن يصل إليه الفعل بحرف جر, ونصب المكان في الرتبة الثالثة وكل ما هو في الدرجة الثالثة لا تجده إلا مخصوصاً" (). وتقديمه للظرف " لأنه لا بد للفعل من زمان ومكان يكون فيهما" () , ولأن الفعل إنما اختلفت أَبنيته للزمان, وهو مضارع له من أجل أن الزمن حركة الفلك, والفعل حركة الفاعلين" () , واحتياج الفعل إلى الزمان والمكان ضروري" () , "كما أن الدلالة على الزمان وقعت عليه من لفظ الفعل" ().وتقديمه للزمان على المكان "لأن دلالة الفعل على الزمان أقوى من دلالته على المكان ولذلك قد يحتاج الفعل إلى حرف جر يصل به إلى المكان ولكنه يصل إلى الزمان بدون حرف" ().
أما تأخيره للمفعول له " فلأن الفعل قد يكون بلا علة, فقد يكون فاعل الفعل ساهياً أو مجنوناً, فلا يقع فعله لسبب, فلا يكون للفعل إذ ذاك مفعول من أجله" () "ورب فعلٍ بلا علةٍ" () كما أن الفعل في الأصل يصل إليه بحرف جر لضعف العلاقة بينهما.
ويتضح من ترتيب المفاعيل أن المباني تتقدم بالرتبة (المنزلة) من الخاص إلى العام أو من القريب إلى البعيد.
وقد قال تعالى: " لقد صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرؤيا بالحقِ" (الفتح27) "فهنا جرى التعبير على الأصل ولم يقدم شيء على شيء" () حيث تقدم الفاعل فالمفعول الأول فالثاني فالجار والمجرور وذلك بسبب قوة العلاقة المعنوية, كما قال تعالى: " وَنَحْشُرُهُم يومَ القِيامَة على وجُوهِهِم عُميا وبُكما وصُما " (الاسراء 97) تقدم الفاعل على المفعول فالزمان فالمكان فالحال. " ولكنه (الفاعل) يرتبط بفعله حتى إنهما لَيُعَدان كالكلمة الواحدة, ثم ترتبط بقية كلمات الجملة بهما ارتباط الدوائر بالبؤرة " ().
" فكل كلمة ترتبط بالبؤرة فيها والتي هي الفعل بسبب وعلاقة معينة وبذا يتحقق النظم في الجملة" ().
فليس النظم سوى تعليق الكلم بعضها ببعض وجعل بعضها بسبب من بعض" (). " فلا نظم في الكلم ولا ترتيب حتى يعلق بعضها ببعض ويبنى بعضها على بعض وتجعل هذه بسبب من تلك" (). وتتم عملية التعليق بناءً على المنزلة, " واعلم أن مثل واضع الكلام مثل من يأخذ قطعة من الذهب أو الفضة فيذيب بعضها في بعض حتى تصير قطعة واحدة وذلك أَنك إذا قلت ضرب زيدٌ عمراً يوم الجمعة ضرباً شديداً تأديباً له, فإنك تحصل من مجموع هذه الكلم على مفهوم واحد لا عدة معانٍ كما يتوهمه الناس, وذلك لأنك لم تأتِ بهذه الكلم لتفيد أنفسَ معانيها وإنما جئت بها لتفيد وجوه التعليق التي بين الفعل الذي هو ضرب وبين ما عمل فيه والأحكام التي هي محصول التعلق وإذا كان الأمر كذلك فينبغي لنا أن ننظر في المفعولية من (عمرو) وكون يوم الجمعة زمانا للضرب وكون الضرب ضرباً شديداً وكون التأديب علة للضرب, أيتصور فيها أن تفرد عن المعنى الأول الذي هو أصل الفائدة, وهو إسناد الضرب إلى زيد وإثبات الضرب به له حتى يعُقل كون عمرو مفعولاً به وكون يوم الجمعة مفعولاً فيه وكون يوم الجمعة مصدراً, وكون التأديب مفعولاً له من غير أن يخطر ببالك كون زيد فاعلاً للضرب؟ وإذا نظرنا وجدنا ذلك لا يتُصور لأن عمراً مفعول لضرب وقع من زيد عليه ويوم الجمعة زمان لضرب وقع من زيد, وضرباً شديداً بيان الضرب كيف هو وما صفته, والتأديب علة له وبيان أنه كان الغرض منه, وإذا كان ذلك كذلك بان منه وثبت أن المفهوم من مجموع الكلم معنى واحد لا عدة معانٍ, وهو إثباتك زيداً فاعلاً ضرباً لعمرو في وقت كذا وعلى صفة كذا ولغرض كذا ولهذا المعنى نقول: إنه كلام واحد" ().
ثانيا: أصل ترتيب الجملة الاسمية: -
يقول السيرافي"قال سيبويه: فإذا بنيت الفعل على الاسم قلت: زيدٌ ضربته فلزمته الهاء, يعني أنك إذا جعلت زيداً هو الأول في الرتبة, فلا بد من أن ترفعه بالابتداء, فإذا رفعته بالابتداء فلا بد من أن يكون في الجملة التي بعده ضمير يعود إليه وتكون هذه الجملة مبينة على المبتدأ كأنك قلت زيد مضروب" ().
أصل ترتيب الجملة الاسمية
¥