ويتابع السيرافي كلامه مستخدماً أدوات العطف التي تدل على الترتيب وتفيد كيفية حدوث الجملة الاسمية خطوة خطوة " قال: فإنما قلت عبدالله فنبهته له ثم بنيت عليه فرفعته بالابتداء, يعني ابتدأت بعبد الله فنبهت المخاطب له فانتظر الخبر فأخبرت بالجملة التي بعده " (2).
"وهذا الذي قد ذكرتُ من أن تقديم ذكر المحدَّث عنه يفيد التنبيه له, قد ذكره صاحب الكتاب في المفعول إذا قُدِّمَ فَرُفع بالابتداء وبني الفعل الناصبُ لَهُ عليه, وعُدِّي إلى ضميره فشُغِلَ به كقولنا في " ضربتُ عبدالله ":
" عبدُ الله ضربُتهُ", فقال: وإنما قلت: عبدُ الله, فنبهتَهُ له ثم بنيت عليه الفعل, ورفعته بالابتداء.
وذلك من أجل أنه لا يؤتى بالاسم معرى من العوامل إلا لحديث قد نُويَ إسناده إليه, وجملة الأمر أن ليس إعلامك الشيء بغته غفلاً مثل إعلامك له بعد التنبيه عليه والتقدمة له, لأن ذلك يجري مجرى تكرير الإعلام في التأكيد والإحكام, ويشهد لما قلنا من أن تقديم المحدث عنه يقتضي تأكيد الخبر وتحقيقه له, أنا إذا تأملنا وجدنا هذا الضرب من الكلام يجيء فيما سبق فيه إنكار أو شك …., ويزيدك بياناً أنه إذا كان الفعل مما لا يشك فيه ولا ينكر بحال لم يكد يجيء على هذا الوجه ولكن يُؤتى به غير مبني على اسم" (1). فالجملة الاسمية تتكون بخطوتين الخطوة الأولى:
الابتداء بالمبتدأ لتنبيه المخاطب له والخطوة الثانية: الإخبار بما ينتظره المخاطب, وهذا يعني أيضاً أن المبتدأ معروف للمخاطب وإنما الذي يجهله هو الخبر فالمعرفة في المقدمة والمجهول في النهاية وهو محل الفائدة.
ويتابع السيرافي حديثه عن بناء الفعل على الاسم, ذاكراً شرط ذلك فيقول:
"قال وإنما حسن أن يبنى الفعل على الاسم حيث كان معملاً في ضميره, يعني أن ضربته إنما بني على زيد لأنه قد عمل في ضميره, ولولا ذلك لم يحسن ... (2). فشرط بناء الفعل على الاسم, أن ينشغل الفعل بضمير الاسم المتقدم, حتى يخرج من طلب الفعل له, فإذا لم ينشغل الفعل بالضمير وجب أن تنصب الاسم المتقدم لأن الجملة تكون عندها جملة فعلية وليست اسمية والفعل محتاج للمفعول به, ويجوز رفعه على ضعف وذلك على نية وجود الهاء, ويجوز نصبه وهو منشغل بالضمير وذلك على تقدير فعل سابق عليه محذوف يفسره الفعل المذكور بعده لأن المفسَّر والمفسر لا يجتمعان "ولا يتعدى الفعل إلى ضمير اسم وإلى ظاهره جميعاً. ولهذا وجب في "زيداً ضربته" تقدير عامل على الأصح" (3).
وكما تَرَتبت المباني في الجملة الفعلية بالرتبة (المنزلة) من الخاص إلى العام, فكذلك تترتب المباني في الجملة الاسمية.
وعلى هذا فالجملة الاسمية تترتب مبانيها بالرتبة من الأهم إلى الأقل أهمية ومن الخاص إلى العام وعلة هذا الترتيب أن المبتدأ هو المبني عليه ورتبه المبني عليه قبل رتبة المبني والمبتدأ هو المحتاج ورتبة المحتاج قبل رتبة المحتاج إليه أو المطلوب, بالإضافة إلى أن المبتدأ معرفة والخبر قد يكون نكرة فتقدمت المعرفة على النكرة " فلا يخبر عن مجهول والإخبار عما لا يعرف لا فائدة منه" (1) , وقد قال ابن مالك:
"والأصلُ في الأخبارِ أن تُؤَخَّرا وَجَوَّزُوا التقديمَ إذْ لا ضَرَرا " (2)
والرتبة بين هذه الاركان رتبة غير محفوظة ما عدا رتبة الفاعل مع الفعل فهي رتبة محفوظة " فالفاعل لا يتقدم على فعله إلا على شرط الابتداء "
"فإن وجد ما ظاهره أنه فاعل تقدم على فعله وجب تقدير الفاعل ضميراً مستتراً وكون المقدم مبتدأ في "نحو زيد قام", وإما فاعلاً محذوف الفعل في نحو " وإن أحد من المشركين استجارك" (3) (التوبة 6) لأن أداة الشرط مختصة بالجملة الفعلية, كما يرى جمهور النحاة.
وهذا ما يتأكد من حديث السيرافي عن التقديم والتأخير لعناصر الجملة الفعلية, يقول السيرافي: وإن قدمت الاسم فهو عربي جيد, كما كان ذلك عربياً جيداً, وذلك قولك زيداً ضربتُ, يعني "زيداً ضربت" بمنزلة زيداً ضرب عمرو ولا فرق بين الفاعل الظاهر والمكني " قال والعناية هنا في التقديم والتأخير سواء, مثله في ضرب زيدٌ عمراً, وضرب عمراً زيدٌ, يعني أن المكني والظاهر الفاعلين سواء في تقديم المفعول وتأخيره فإن كانت العناية بالمفعول فيهما أشد قدمت المفعول وإن كانت العناية بالفاعل أشد قدمت الفاعل" (4
فالفاعل والمفعول يتقدمان بالرتبة (المنزلة) أصلاً وعدولاً.
¥