تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ

وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ

أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي

ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (15) سورة الأحقاف. فبين أن هذا الشكر

مقابل النعمة التي أنعمها الله تعالى عليه وعلى والديه، وقال تعالى (يا أيها الذين

آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون) البقرة. وقال

تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّبًا وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}

(114) سورة النحل. وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً

قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ {120} شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ .... ) {121} النحل،

فبين تعالى أن شكر إبراهيم كان عن نعم أنعم الله تعالى بها عليه، وقال تعالى: (قُلْ

مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ

لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ {63} الأنعام، فبين أنهم أقسموا أنه إن أنجاهم الله تعالى من

ظلمات البر والبحر يكونوا من الشاكرين، ومثل ذلك قوله تعالى ( ..... لَئِنْ آتَيْتَنَا

صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ {189} الأعراف. وقد يكون الشكر مقابل العفو عن

جريمة كما عفا الله تعالى عن بني إسرائيل بعدما عبدوا العجل فقال تعالى: (وَإِذْ

وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ظَالِمُونَ {51} ثُمَّ عَفَوْنَا

عَنكُمِ مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {52} البقرة. والآيات في ذلك كثيرة.

ومن الأحاديث التي تبين أن الشكر يكون في مقابلة النعمة قوله - صلى الله عليه

وسلم - " عجبت من أمر المؤمن إن أمر المؤمن كله خير، وليس ذلك لأحد إلا

للمؤمن، إن أصابته سراء شكر كان ذلك خيراً ... " الحديث رواه الإمام أحمد في

المسند فجعل - صلى الله عليه وسلم - الشكر في مقابلة ما يسر الإنسان ورواه

الإمام مسلم. وكذا قوله - صلى الله عليه وسلم - " الطاعم الشاكر كالصائم

الصابر" رواه البخاري في الأطعمة، فجعل - صلى الله عليه وسلم - الشكر مقابل

الإطعام، وقوله - صلى الله عليه وسلم، " عن تنعم تنعم على شاكر" متفق عليه.

ومن دعائه - صلى الله عليه وسلم - " واجعلنا شاكرين لنعمتك" رواه أبو

داود، والأحاديث في ذلك كثيرة مستفيضة، فعرفنا من هذه الآيات والأحاديث أن الشكر

يكون في مقابلة النعمة ويكون تعظيماً للمشكور واعترافاً بنعمته. أما الحمد فإنه

الذكر بالجميل للمحمود على جهة التعظيم، ويصح أن يكون على نعمة وعلى غير

نعمة، فمن الحمد مقابل النعمة قوله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ

نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {42} وَنَزَعْنَا مَا فِي

صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا

كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ .... ) {43} الأعراف، فجعل الله نعمة الحمد في مقابل

هذه النعم الجليلة.

وقال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ

لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء} (39) سورة إبراهيم

، وقال تعالى مخاطباً نوحاً عليه السلام: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ

فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ {28} المؤمنون، وقال تعالى:

(وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ

خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ {73} وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا

وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ {74} الزمر،

وقد يكون الحمد دون مقابل نعمة كقوله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً

وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ .... ) الإسراء 111، وقال تعالى: (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً

عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرّاً

وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ {75} النحل، وقال تعالى:

(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ..... ) غافر7، فهم

يسبحون الله ويحمدونه على جهة التعظيم دون ذكر للنعمة. وفرق آخر بين الحمد

والشكر أن الإنسان قد يحمد نفسه في أمور جميلة طيبة يأتيها فيذكر ما عمله من

كرم أو علم أوشجاعة، ولكن لا يجوز أن يشكر الإنسان نفسه، لأن الشكر يكون في

مقابلة نعمة من إنسان على آخر فهو بمثابة الدين ولا يجوز أن يكون للإنسان دين

على نفسه.

فالاعتماد في الشكر على ما توجبه النعمة، وفي الحمد على ما توجبه

الحكمة ونقيض الحمد الذم ونقيض الشكر الكفر، فالشكر إظهار حق النعمة لقضاء

حق المنعم كما أن الكفر تغطية النعمة لإبطال حق المنعم. ونقول أيضاً: ويمكن أن

نضيف شيئاً آخر وهو أن الحمد يكون باللسان فقط فتقول الحمد لله، والشكر يكون

باللسان وبالقلب وبالجوارح.

تكم تعميما للفائدة وأشكركم -

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير