وقد حاول كثير من المفسّرين تفسير السجود والقنوت والصلاة والتسبيح في هذه الآيات، وذكروا في ذلك أقوالاً متعدّدة، وفرّقوا بين سجود من يعقل، وسجود ما لا يعقل، فجعل بعضهم سجود ما لا يعقل بيان أثر الصنعة فيه والخضوع الذي يدلّ على أنه مخلوق، كما جعلوا سجود النبات تفيأ ظلاله أو الإنقياد لما سخّر له، أو أن تكون هذه "العبادة" على كيفية لا نعلمها، ويؤيد هذا قوله تعالى: "وَلَـ?كِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ".
وهذا ما ذهب إليه ابن تيمية رحمه الله، قال: ومذهب أهل السنة أن لله علماً في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره، ولها صلاة وتسبيح وخشية، فيجب على المرء الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى (جامع الرسائل، 42).
وعلى كل حال، فإن النظر فيما سبق من الآيات يرينا أن هناك قنوتاً عاماً، وسجوداً عاماً، وتسبيحاً عاماً، يشترك فيه كل ما في السموات والأرض من مخلوقات الله طوعاً وكرهاً.
وهذا يجعلنا نفسّر السجود العام الشامل بأنه السجود الفطري الغريزي .. فيبقى السجود العام الشامل الفطري هو الذي ينتظم الكون كله .. بل إن هذا الكون الموحِّد فطرة ليستنكر الشرك الذي يصدر عن الإنسان ولا يستطيع سماعه وتحمّله، لأنه مخالف لبنيته التي قام عليها، قال تعالى: "وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا".
وإذا كان ما دوّناه أعلاه مسلّماً به عندك، نأتي لاعتراضك، الذي قلت فيه: إن المانع من أن تكون الخشية حقيقة على معنى أن الله خلق فيها قابلية لذلك، هو نفس الآية من كونه قد وصف قلوب اليهود بالحجارة من حيث كونها لا تذعن، ففي هذه الدنيا خلق الله الحجارة لا تذعن ولا تنطق ولا تفكر، فهل نأتي نحن وننفي ما هي عليه؟؟
فنقول: إن الهبوط من خشية الله لهو حقيقة لا شك فيها، وأساس ذلك كله ما بيّناه أعلاه من أن الكائنات والخلائق جميعاً تسّبح بحمد الله وتسجد له وتقنت .. فما المانع إذن من أن تخشى ربّها، وذلك على نحو لا يعرف الناس كيفيّته؟
فما دمنا نتلو هذا الكلام الرباني بتصديق ويقين، فإننا لا نتردّد في اطمئنان إلى أن الجبل والشجر والمدر والحجر كل أولئك يسبّحون الله ويخشونه حق الخشية، ولا عجب أن يكون من مظاهر هذا التسبيح أو الخشية أن يهبط الحجر من العلو إلى الأسفل.
فأنت تريد أن تحكّم عقلك لتفسير هبوط الحجر من العلو إلى الأسفل عن طريق ما تسمّيه أنت بقانون الجاذبية. ولكني أتحدّاك إن كنت قد رأيت بأم عينك هذه "الجاذبية" التي أشرت إليها ..
فليس من الممتنع أن ينطق الجماد بإذن الله .. ومن أخبر مني ومنك بما سيحل باليهود في آخر الزمان في بلادنا المباركة .. ألن يُنطق الله الشجر والحجر؟
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[09 - 05 - 2005, 11:56 م]ـ
هل نسيت الموضوع أخي جمال؟
فإن رأيك يهمّني في هذه المسألة الدقيقة!
ـ[المهندس]ــــــــ[10 - 05 - 2005, 01:05 ص]ـ
أستاذنا الفاضل / لؤي الطيبي
أي كنز قد حل بالفصيح بقدومك
وأي نور قد أضاء جنبات المنتدى
بارك الله فيك وزادك علما ونورا
أحييك تحية من قلب يحبك في الله
كما أبعث بتحيتي لأخي الأستاذ البصري
جبل الفصيح الشامخ
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[10 - 05 - 2005, 05:03 ص]ـ
في هذه المشاركة ردان للطيبي بنفس العبارات وكذلك للبصري--ويظهر عندي أن المهندس قام بالرد ولا أجد رده---ولم اكتشف الردود إلا اليوم--مع أني أدخل المنتدى بشكل متواصل--وقد يكون خلل عندي فاقتضى الإعتذار من الأخوة فأنا لم أهمل كلامكم
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[10 - 05 - 2005, 05:42 ص]ـ
لا أستطيع قراءة الردود!!!!!!
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[10 - 05 - 2005, 06:17 ص]ـ
الأخ المهندس
تحياتي الخالصة لك---فقد أحسنت الترحيب بمن رحبت بهما!
ـ[جمال حسني الشرباتي]ــــــــ[10 - 05 - 2005, 06:20 ص]ـ
الأخ لؤي
لم أرد على مشاركتك الأخيرة بعد---ولا أعرف لم لا يكون بيننا إتصال ونحن في نفس البلد---نحن راغبون باستضافتك وعائلتك مع أول زيارة لكم إلى القدس---وتليفوني هو
تم تحريره بواسطة القاسم:)
ـ[البصري]ــــــــ[10 - 05 - 2005, 12:08 م]ـ
أخي المهندس، شكر الله لك هذا الترحيب البالغ والمدح الذي لا أستحق نصفه، ولكن أسأل الله أن يجعلني خيرًا مما يقال، وأن يغفر لي ما لا يعلم، وأن يهدينا جميعًا للوقوف بالتسليم عند كل ما جاء في هذا الكتاب العزيز، وفي سنة ذاك النبي الكريم،، إن ربي جواد كريم.
¥