تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قبل أن أهمّ بالردّ على سؤالك، فإني أذكّرك وأذكّر نفسي أننا نكتب هنا عن القرآن العظيم، كتاب الله الميسّر للفهم .. والذي لا سبيل فيه إلى تعقيد الأمور .. وإلا لما كان كتاب هداية، يهدي الله به الأمي العاميّ قبل العالِم المتخصّص ..

وأنا هنا لا أناقشك في حقيقة المجاز، أموجود هو في القرآن أم لا، فهذا باب لم يُغلق بعد، واختلف فيه من العلماء مَن هم أعلم منا جميعاً في هذا المنتدى.

ولكني أحببت أن أستقريء معك آيات من كتاب الله عزّ وجلّ، قد يكون في مضمونها ما يبسّط الأمر عمّا يعتريه من تعقيد ظاهر.

فأقول: إن التوحيد فطرة الكون كله. وليس خاصّاً بالإنسان، بل هو مشترك بينه وبين الكون كله. فالكون - بكل ما فيه - موحّد بهذا المعنى، لأن الله فطره على ذلك، بل إن الكون كله إنما قام ووُجد لأنه صادر عن إله واحد، قال تعالى: "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا". ولن يبقى كذلك ويستمرّ إلا بفضل هذا التوحيد، قال تعالى: "وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ".

ومما يشير إلى هذا النوع من التوحيد كثير من الآيات القرآنية التي تتحدّث عن قنوت الأشياء كلها لله عزّ وجلّ، وسجودها له، وتسبيحها له.

فمن آيات القنوت، قوله تعالى: "وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ"، وقوله تعالى: "وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ * وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ".

وهذا القنوت العام شامل لطاعة كل شيء لمشيئته تعالى وقدرته وخَلّقه، فهو يشمل اعترافهم بربوبيته فطرة، واضطرارهم إلى مسألته والرغبة إليه، ودخولهم فيما يأمر به وإن كانوا كارهين.

ومن آيات السجود، قوله تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء"، وقوله تعالى: "أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّدًا لِلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ * وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِكَةُ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ".

وهذا السجود شامل لجميع المخلوقات وهو متضمن لغاية الخضوع والذلّ، وكل مخلوق، حياً كان أم جماداً، قد تواضع لعظمته وذلّ لعزّته واستسلم لقدرته تعالى.

ومن آيات التسبيح، قوله تعالى: "تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ"، وقوله تعالى: "سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"، وقوله تعالى: "يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ".

بل إن القرآن يقول: "وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ" ..

فهذه أمور قد صرّح بها القرآن ..

سجود، قنوت، تسبيح، صلاة .. وهذه كلها عبادات، صادرة من الإنسان، وغير الإنسان!

ولكن هل يجب أن يكون سجود كل شيء مثل سجود الإنسان على سبعة أعضاء؟ وهل يكون قنوت المخلوقات مثل قنوت الإنسان؟ وهل أن المخلوقات تسبّح كما يسبّح الإنسان؟

فهذا ما اختلفت فيه أقوال العلماء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير