1 - مقام ذكر حواسهم والإستفادة بها
2 - ما يوحى إليهم من الرسالات أو عدم الإنتفاع بها في هذه المجالات
3 - في العلم بأن الوليد يكتمل تمييزه بسمعه قبل بصره
4 - أن المسموعات من جميع الجهات
5 - أن المرئيات من جهة واحدة
6 - أن الإنتفاع بالسمع في مقام الهدايات والنبوات أكثر
فهذا بالنسبة للعباد لا يكاد يتخلّف، فيأتي البصر قبل السمع إلا لملحظ بلاغي.
الملاحظة الثانية:
وأما بالنسبة إلى الله جلّ جلاله، فإني أشاركك الرأي أخي جمال .. حيث نلتمس في كلام الأستاذ عتوك نوعاً من التشبيه للذات الإلهية. ولا نرى داعياً إلى تبرير التقديم والتأخير في هذه الحالة. فالأمر فيه على خلاف البشر لا ترتيب ولا تفاوت عنده سبحانه وتعالى بين المسموعات والمبصرات. فإذا جاء البصر متقدماً على السمع - كما في سورة الكهف - أو جاء السمع مقدّما على الرؤية - كما في سورة طه - فلا غضاضة في ذلك لا سيّما إذا كان كل واقعاً موقعه لمناسبات لفظية ومعنوية تقضي بذلك.
الملاحظة الثالثة:
وهي أن أصل تقديم السمع على البصر قد خولف - شأنه شأن كل الأصول - لاعتبارات مناسبة. ومن هذه المواضع نذكر ما يلي:
قوله تعالى في سورة الكهف: " أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ "، قد تقدّم عليه قوله: " لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ". والغيب شامل للمبصرات والمرئيات والمسموعات وغيرها. لكن ما غاب من المخاطب من مبصرات السموات والأرض - إذ هو الكون كله وما وقع عليه بصر المخاطب من حيّز ضيّق محدود - أكثر بهذا الإعتبار مما غاب عنه من مسموعات. لذلك اقتضى المقام الإتيان بالبصر مقدّماً على السمع.
وقوله تعالى فيها أيضاً: " الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا "، حيث قدّم البصر على السمع على خلاف الأصل. فإن هذه الآية الكريمة قد تقدّم عليها قوله تعالى: " وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا "، أي عرضناها ليروها. فناسب ذلك تقديم البصر على السمع.
وأما قوله تعالى في الأعراف: " وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ "، حيث قدّم الأعين على الآذان. فلأنه سبحانه وتعالى شبّههم بالأنعام فأخّر السمع ليكون مجاوراً لتشبيههم بها. لأن الأنعام لا تختلف رؤيتها للأشياء عن رؤية الإنسان لها. وإنما يقع التخالف في السمع إذ لا يميز الحيوان بين النصح وغيره من الأقوال ولا تثمر فيه النّذر.
وأما قوله تعالى في الإسراء: " وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا "، حيث قدّم العمى الذي هو ضدّ الإبصار، وأخّر الصمم الذي هو ضدّ السمع. فذلك لمناسبة الحشر على الوجوه لأن من أُلقي على وجهه ثم سُحب عليه لم يبصر شيئاً ولم يستطع أن يتكلّم بكلام مسموع فتأخذه دهشة الهول، فلا يكاد يسمع مما حوله شيئاً.
فعلى هذا النسق العجيب جاء التقديم والتأخير في مادة السمع والبصر في آيات القرآن الحكيم.
والله أعلم