المحاور: لعلك تظنّ أني جئتك لتهديني! أنا ما قلت ذلك وأعرف نفسي أني بحمد الله مؤمنٌ بالله ورسوله وكتابه إيماناً راسخاً.
المؤلف: وما علاقة الإيمان بالهدى؟ فقد يكون المرء مؤمناً وليس مهتدياً في آنٍ واحدٍ لقوله تعالى: (وإني لغفّارٌ لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثمّ اهتدى).
المحاور: حسناً .. لأكن ضالاً أو كافراً فهل لك أن تأتيني بجديدٍ تناقشني فيه فإن القرآن قد ناقش الكفّار وحاورهم.
المؤلف: استغفر الله .. استغفر الله .. فلو ظننت أنك من الكفار لما حاورتك فإن القرآن لم يناقشهم قط.
المحاور: فما تلك المناقشات القرآنية وضرب الأمثال ولمن كانت إذن؟
المؤلف: إن الله تعالى يقول: (إن الذين كفروا سواءٌُ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون). فلا فائدة من التحاور معهم. والقرآن هدىً للذين آمنوا وعملوا الصالحات (وإذا ما أنزلت سورةٌ فمنهم من يقول أيّكم زادته هذه إيماناً. فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون. وأما الذين في قلوبهم مرضٌ فزادتهم رجسٌ إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون).
المحاور: هذا صحيح ولكنك لم تجبني عمّن حاوره القرآن وضرب له الأمثال؟
المؤلف: هؤلاء جماعات من المشركين لا الكفار.
المحاور: لم أكن أفرّق بين المشركين والكفّار. أفأنت ترى فرقاً؟
المؤلف: نعم .. كل كافر فهو مشرك بالله وليس كل مشرك بطاعة الله مشركٌ بالله أو كافرٌ. فالمشرك بطاعة الله هو كعابد الأصنام فهو يعبد الله من خلال عبادة الأصنام ظناً منه أن في ذلك طاعةً لله فإذا بلّغه النذير (ص) فربّما آمن وإذا أصرّ فقد كفر فهؤلاء الضالون الحيارى هم الذين يناقشهم القرآن ويضرب لهم الأمثال.
المحاور: ألأجل ذلك لم تعلن البراءة من المشركين إلاّ في أواخر دعوة النبي (ص) وبعد فتح مكة؟.
المؤلف: نعم وأحسنت .. لأن الحجج قد قامت والبراهين اكتملت (فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا شاهدين على أنفسهم بالكفر).
المحاور: لقد عرفتُ المشرك فمن هو الكافر؟ أهو الذي ينكر وجود الله تعالى؟
المؤلف: لا أحد ينكر وجود الله على وجه الحقيقة والصدق مع نفسه والذين ادّعوا ذلك كاذبون.
المحاور: كيف؟! أليس الذي ينكر وجود الله قد شعر حقاً بعدم وجوده؟.
المؤلف: كلاّ .. أنّه كذّاب .. إنّه يحاول نقل الحوار من الشركاء إلى الإله الواحد نفسه أي أنه يهاجم الواحد ليتخلّص من التوحيد مدّعياً الشكّ في الواحد.
المحاور: إني أسمع الآن بمفهومٍ جديدٍ للكفر. فهل ما إن عمله الفلاسفة من الردود على الملاحدة كان عبثاً؟.
المؤلف: ربّما نفع في تثبيت إيمان مؤمن وتمكينه من سلاحٍ بوجه الكافر .. لكنه لم ينفع كافراً وما غيّر من الأمر شيئاً ـ لأن هذا النقاش لم يكن له موضوعٌ من الأصل وموضوعه الصحيح هو الشركاء.
المحاور: ولكن الآيات القرآنية سردت الأدلة على وجود الله.
المؤلف: العبارة تكون صحيحةً لو قلت: (سردت الأدلة على وحدانية الله) لأن الله تعالى نفسه ليس فيه شكّ (قالت لهم رسلهم أفي الله شكٌّ فاطر السموات والأرض).
المحاور: لنفرض أني قلت هذه الآية نفسها للدلالة على وجود الله. فماذا تقول؟.
المؤلف: هذه الآية ليست للدلالة على وجود الله، بل للدلالة على أن هذا الوجود (ليس فيه شك) وبالتالي لا وجود لمنكرٍ لحقيقة وجود الله. فكلُّ منكرٍ لوجود الله كذّاب.
المحاور: هل تعرف أحداً كافراً ومع ذلك يؤمن بوجود الله؟
المؤلف: سبحان الله .. كلانا يعرف أحداً على هذا النحو!!.
المحاور: من هو؟.
المؤلف: هو رجلٌ من الجِنّة .. شيخ الكفّار وأولهم كان يخاطب الله تعالى قائلاً (فبعزّتك لأغوينهم أجمعين) وقد كان كافراً لقوله تعالى: (إلاّ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين).
المحاور: أعتذر! فلنعد إلى الآية وسأوجّه الكلام بطريق آخر: قوله تعالى (أفي الله شك) ألا يدلّ على وجود من يشكّ في الله؟.
¥