تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المؤلف: الآية لا تتحدّث عن (من يشكّ) لتقول ذلك. إنها تتحدّث عن الشك نفسه والاستفهام الإنكاري يدلّ على (انعدام) الشك وبالتالي لا وجود لحامل ذلك الشكّ. إنّما يقع الشك والتلبيس بوجود شركاء وحسب، فهي في معرض نفي الشركاء بطريق وجود الله باعتبار هذا الوجود ليس فيه شكّ مطلقاً لأنه العلّة الأولى للخلق (فاطر السموات والأرض) وكلّ شريك واقع حتماً ضمن السموات والأرض فهو مخلوق، فيتمّ البرهان على عدم وجود شريك بإعلان كونه نفسه ليس مشكوكاً فيه. ولما كان هو فاطرها أي مبتدعها فهو إذن واحد لا شريك له. وحتى لو كانت تتحدّث عن الشاك لا الشك فهي في معرض النفي لهذا الشاك، لأن موضوعها هو التوحيد (نفي الشركاء) لا إثبات وجود الواحد، وهذا ما فهمه أيضاً جميع أمم العالم عندما قيلت لهم تلك العبارة كما يتّضح من نص تمام الآية (قالت لهم رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمىً قالوا إن أنتم إلاّ بشرٌ مثلنا تريدونا أن تصدّونا عمّا كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطانٍ مبين). فلم يكن لهم شك في الله، بل شكٌّ في دعوة الرسل. وهذا ما قالوه قبل هذه الآية بالآية السابقة بلا فصل (قالوا أنا كفرنا بما أرسلتم به وإنّا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه مريب). فلأجل إزالة الشك في كونه إله واحدٌ قالت لهم رسلهم: أفي الله شك فاطر السموات والأرض؟ والجواب: لا شك فيه. ولو كان الشك فيه فلا حوار ولا مناقشة. فلمّا جاءتهم رسلهم بهذا البرهان قالوا: تريدون أن تصدّونا عمّا كان يعبد آباؤنا، فطلبوا الدليل وقالوا: فأتونا بسلطانٍ مبين ـ دليل مادي ومثلٍ واضحٍ غير هذا الدليل العقلي. فقالت لهم رسلهم بالآية اللاحقة: (وما كان لنا أن نأتيكم بسلطانٍ إلاّ بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون). فمن آمن ابتداءً على هذا الدليل العقلي فليتوكل على الله فإنه يهديه بصورةٍ أو بأخرى. ولو كان الشك في الله فلا حوار ولا تعقيب كهذا التعقيب.

المحاور: هل تعتبر هذه المناقشة الجانبية خارج موضوعنا؟

المؤلف: كلاّ .. إنها من صميم موضوعنا ويستحيل استمرار الحوار في حالة الاختلاف بالمفهوم الذهني لمفردات هامة وجوهرية في العقيدة كالكفر والإيمان، بل كلّ بحث مهما كان بعيداً فهو موضوعنا لأن الحقائق الكونية والشرعية مترابطةٌ ومتكاملة.

المحاور: هذا حسن .. وقد بدأت أميل إلى هذا المفهوم عن الشرك والإلحاد ولكنك لم تخبرني للآن عن الكافر من هو؟

المؤلف: إن الكافر هو الذي يعصي الله عزّ وجل عامداً راغباً في معصية الله.

المحاور: سبحان الله وأعوذ بالله .. لم يبق أحدٌ إذن على الإيمان فكلّنا نعصي الله وطالما نعصي الله ونعلم أنها معصية وطالما نرغب في ذلك.

المؤلف: إن المؤمن يعصي والكافر يعصي. لكن الفرق بينهما كبيرٌ هو الفرق بين أصحاب الجنة وأصحاب النار. المؤمن يعصي ويتوب والكافر لا يتوب، المؤمن يستغفر والكافر لا يستغفر، والمؤمن يندم والكافر لا يندم. وقد قال الرسول (ص): (كفى بالندم توبةً) وقال تعالى (إن الله يحبّ التوابين). فالنادم تائب والتائب محبوبٌ عند الله. والمؤمن يؤوب إلى الله تعالى. فالمعصية عند المؤمن وسيلةٌ إلى هدفٌ دنيويٌّ عارضٌ يفعلها حينما يفعلها لا رغبةً فيها نفسها، بل للهدف الذي تحققه المعصية حينما سدّت أمامه طرق الطاعة للوصول إليه. والكافر يفعل المعصية رغبةً فيها نفسها فالمعصية هدفه لا وسيلته لأنه يفعلها تحدّياً لله وهو يفعل المعصية حتى لو لم تحقّق له غرضاً دنيوياً، بل يفعلها ولو حقّقت له خسارة دنيوية لأن غرضه وهدفه المعصية نفسها لا شيء آخر سواها، وهدفه أيضاً هو طاعةً الشركاء وهو نفسه من الشركاء.

المحاور: هل يفهم من ذلك أن الأمر ـ أمر الإيمان والكفر ـ مرتبطٌ كلّه بالنية؟.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير