تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

/فإذا كان الكسوف له أجل مسمى لم يناف ذلك أن يكون عند أجله يجعله اللّه سببا لما يقضيه من عذاب وغيره لمن يعذب الله في ذلك الوقت، أو لغيره ممن ينزل اللّه به ذلك، كما أن تعذيب اللّه لمن عذبه بالريح الشديدة الباردة كقوم عاد كانت في الوقت المناسب، وهو آخر الشتاء، كما قد ذكر ذلك أهل التفسير وقصص الأنبياء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى مخيلة ـ وهو السحاب الذي يخال فيه المطر ـ أقبل وأدبر، وتغير وجهه، فقالت له عائشة: إن الناس إذا رأوا مخيلة استبشروا، فقال: (ياعائشة، وما يؤمنني؟ قد رأى قوم عاد العذاب عارضا مستقبل أوديتهم فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} قال اللّه تعالى: {بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ}) [الأحقاف: 24]، وكذلك الأوقات الذي ينزل اللّه فيها الرحمة، كالعشر الآخرة من رمضان، والأول من ذي الحجة، وكجوف الليل، وغير ذلك هي أوقات محدودة لا تتقدم ولا تتأخر وينزل فيها من الرحمة ما لا ينزل في غيرها.

وقد جاء في بعض طرق أحاديث الكسوف ما رواه ابن ماجه وغيره في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، ولكن اللّه إذا تجلى لشيء من خلقه خشع له) وقد طعن في هذا الحديث أبو حامد ونحوه، وردوا ذلك، لا من جهة علم الحديث، فإنهم قليلوا المعرفة به كما كان أبو حامد يقول عن نفسه: أنا مزجى البضاعة في علم الحديث، /ولكن من جهة كونهم اعتقدوا أن سبب الكسوف إذا كان ـ مثلاـ كون القمر إذا حاذاها منع نورها أن يصل إلى الأرض لم يجز أن يعلل ذلك بالتجلي. والتجلي المذكور لا ينافي السبب المذكور، فإن خشوع الشمس والقمر للّه في هذا الوقت إذا حصل لنوره ما يحصل من انقطاع يرفع تأثيره عن الأرض، وحيل بينه وبين محل سلطانه وموضع انتشاره وتأثيره، فإن الملك المتصرف في مكان بعيد لو منع ذلك لذل لذلك.

وأما قوله تعالى: {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5] فالمدبرات هي الملائكة. وأما إقسام اللّه بالنجوم، كما أقسم بها في قوله: {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} [التكوير: 15، 16]، فهو كإقسامه بغير ذلك من مخلوقاته، كما أقسم بالليل والنهار، والشمس والقمر، وغير ذلك، يقتضي تعظيم قدر المقسم به، والتنبيه على ما فيه من الآيات والعبرة، والمنفعة للناس، والإنعام عليهم، وغير ذلك، ولا يوجب ذلك أن تتعلق القلوب به، أو يظن أنه هو المسعد المنحس، كما لا يظن ذلك في {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1، 2] وفي {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا} [الذاريات: 1، 2] وفي {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ} [الطور: 1، 2] وأمثال ذلك.

واعتقاد المعتقد أن نجما من النجوم السبعة هو المتولي لسعده ونحسه اعتقاده فاسد، وأن المعتقد أنه هو المدبر له، فهو كافر. وكذلك إن انضم إلى ذلك دعاؤه والاستعانة به كان كفرا، وشركا محضا، وغاية / من يقول ذلك أن يبني ذلك على أن هنا الولد حين ولد بهذا الطالع. وهذا القدير يمتنع أن يكون وحده هو المؤثر في أحوال هذا المولود، بل غايته أن يكون جزءا يسيرا من جملة الأسباب. وهذا القدر لا يوجب ما ذكر، بل ما علم حقيقة تأثيره فيه مثل حال الوالدين، وحال البلد الذي هو فيه، فإن ذلك سبب محسوس في أحوال المولود، ومع هذا فليس هذا مستقلا.

ثم إن الأوائل من هؤلاء المنجمين المشركين الصابئين وأتباعهم قد قيل إنهم كانوا إذا ولد لهم المولود أخذوا طالع المولود، وسموا المولود باسم يدل على ذلك، فإذا كبر سئل عن اسمه، أخذ السائل حال الطالع. فجاء هؤلاء الطرقية يسألون الرجل عن اسمه واسم أمه، ويزعمون أنهم يأخذون من ذلك الدلالة على أحواله، وهذه ظلمات بعضها فوق بعض منافية للعقل والدين. وأما اختياراتهم، وهو أنهم يأخذون الطالع لما يفعلونه من الأفعال: مثل اختياراتهم للسفر أن يكون القمر في شرفه وهو السرطان وألا يكون في هبوطه وهو العقرب فهو من هذا الباب المذموم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير