أقول: هذا شأن السبكي رحمه الله تعالى في هذا الحديث وتقليد الحاكم في تصحيحه وهذا مع كونه خطأ في نفسه كما سبق بيانه فهو خلاف رأي المشار إليه سابقا الذي صرح بأن الحديث ضعيف لا صحيح ولا موضوع فقد خالف - هو ومن قلده وناصره - الحاكم والسبكي كما خالفوا من سبق ذكرهم من العلماء الفحول الذين قالوا بوضع الحديث أو بطلانه فليس افتئاتهم على الذهبي
المرجع: التوسل
الجزء والصفحة: / 112
فقط بل وعلى من وافقه وخالفه جميعا فليتأمل العاقل ما يفعل الهوى بصاحبه لقد أرادوا أن ينزهوا أنفسهم عن الافتئات على الذهبي وإذا بهم يقولون بما هو أدهى وأمر من الافتئات على من ذكرنا من العلماء
ومن مغالطاتهم المكشوفة عند أهل العلم قولهم في أثناء كلامهم السابق بعد أن أشاروا إلى طريق الطبراني الذي سبق الكلام عليه:
(فالذهبي لم يطلع على هذا الطريق وإلا لو اطلع عليه لم يقل بذلك).
أقول: وهذا الكلام باطل إذ أن الذهبي حكم على الحديث بالوضع والبطلان من طريق الحاكم وفيه عبد الرحمن بن زيد ورجل آخر لا يعرفه كما سبق بيانه في أول هذا التنبيه وطريق الطبراني فيه علاوة على عبد الرحمن هذا ثلاثة رجال آخرون لا يعرفون كما سبق أيضا فكيف يصح أن يقال حينئذ:
(إن الذهبي لو اطلع على هذا الطريق لم يقل بذلك)؟
اللهم إن هذه مغالطة ومكابرة مكشوفة أو جهل مركب فرحمتك اللهم وهداك
لقد تبين للقراء الكرام مما سلف أن للحديثين علتين:
الأولى: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وأنه ضعيف جدا.
الثانية: جهالة الإسناد إلى عبد الرحمن.
وللحديث عندي علة أخرى. وهي اضطراب عبد الرحمن أو من دونه في إسناده فتارة كان يرفعه كما مضى وتارة كان
المرجع: التوسل
الجزء والصفحة: / 113
يرويه موقوفا على عمر لا يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما روه أبو بكر الآجري في كتاب (الشرعية) من طريق عبد الله ابن إسماعيل بن أبي مريم عن عبد الرحمن بن زيد به وعبد الله هذا لم أعرفه أيضا فلا يصح عن عمر لا مرفوعا ولا موقوفا ثم رواه الأجري من طريق آخر عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أنه قال: من الكلمات التي تاب الله بها على آدم قال: (اللهم أسألك بحق محمد عليك. . . الحديث نحوه مختصرا وهذا مع إرساله ووقفه فإن إسناده إلى ابن أبي الزناد ضعيف جدا وفيه عثمان ابن خالد والد أبي مروان العثماني قال النسائي: (ليس بثقة).
وعلى هذا فلا يبعد أن يكون أصل هذا الحديث من الإسرائيليات التي تسربت إلى المسلمين من بعض مسلمة أهل الكتاب أو غير مسلمتهم أو عن كتبهم التي لا يوثق بها لما طرأ عليها من التحريف والتبديل كما بينه شيخ الإسلام في كتبه ثم رفعه بعض هؤلاء الضعفاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ أو عمدا.
مخالفة هذا الحديث للقرآن:
ومما يؤيد ما ذهب إليه العلماء من وضع هذا الحديث وبطلانه أنه يخالف القرآن الكريم في موضعين منه:
الأول: أنه تضمن أن الله تعالى غفر لآدم بسبب توسله به صلى الله عليه وسلم والله عز وجل يقول: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم). وقد جاء تفسير هذه الكلمات عن
المرجع: التوسل
الجزء والصفحة: / 114
ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما بما يخالف هذا الحديث فأخرج الحاكم عنه {فتلقى آدم من ربه كلمات. . .} قال: أي رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى. قال: ألم تنفخ في من روحك؟ قال: بلى قال: أي رب ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى. قال: ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال: بلى. قال: أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال بلى. قال: فهو قوله: {فتلقى آدم من ربه كلمات} وقال الحاكم: (صحيح الإسناد) ووافقه الذهبي وهو كما قالا.
قلت: وقول ابن عباس هذا في حكم المرفوع من وجهين:
الأول: أنه أمر غيبي لا يقال من مجرد الرأي.
الثاني: أنه ورد في تفسير الآية وما كان كذلك فهو في حكم المرفوع كما تقرر في محله ولا سيما إذا كان من قول إمام المفسرين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل).
¥