تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحديث صريح الدِّلالة لا يقبل نقاشاً ولا جدلا في أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى فيه عن صيام يوم السبت إلا في الفرض؛ فقال -عليه الصلاة والسلام – نذكر هذا الحديث تذكيراً للحاضرين، وتنبيها للغافلين- فقال -عليه الصلاة والسلام-: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم؛ ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه»، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه، لم يقتصر هذا الحديث على الأمر بالإفطار يوم السبت إلا في الفرض؛ بل أضاف إلى ذلك تأكيداً بالغاً بقوله -عليه الصلاة والسلام-: (ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة)، ولحاء الشجرة هو: القشر الذي ليس مِن عادة الناس أنْ يستفيدوا منه إلا حطباً للنار، بالغ الرسول -عليه الصلاة والسلام- في الأمر بالإفطار يوم السبت فقال: «ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه»؛ فتأملتُ في هذا الحديث فوجدتُه نصاً صريحاً في أنه لا يجوز صيام يوم السبت إلا في الفرض.

وكلمة (الفرض) هنا لا يقتصر كما توهم بعض الدكاترة الصوم في رمضان -فقط-، بل هو أعم من ذلك؛ لأن مِن الفرض قضاء مما عليه مِن رمضان، ومِن الفرض

-مثلاً- صيام أيام التشريق لمن لم يجد الهدي بالنسبة للمعتمر، وهكذا مِن الفرض مَن كان نذر عليه صياماً معيناً فعليه أن يلتزم ذلك؛ لأنه بالنذر صار فرضاً، وهكذا.

لهذا أنا أقول بأنه لا إشكال إطلاقاً في إعمال هذا الحديث على عمومه، وهو قولٌ قد قال به بعض من مضى من أهل العلم -كما حكى ذلك أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار-.

فلا ينبغي للمسلم بعد مثل هذا البيان أن يتردد أو أن لا يبادر إلى الانتهاء عما نهى الله على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- عنه ركوناً منه إلى القاعدة العامة، وإلى الفضيلة الخاصة التي جاءت في بعض الأيام الفضيلة، ولكنها تعارضت مع نهي خاص، فهذا النهي إذن مقدم أولاً؛ لأنه خاص، والخاص يقضي على العام، ولأنه حاظر، والحاظر مقدّم على المبيح، وقبل ذلك كما ذكرنا لكم في مطلع هذا الجواب: «من ترك شيئا لله عوّضه الله خيرا منه».

لذلك لن يطمئن القلب ولم ينشرح الصدر للذين تأولوا حديث النهي عن صيام يوم السبت بأنه مقصود منفرداً، فإذا انضم إليه يوم آخر جاز لسببين اثنين:

أحدهما: يمكن أن نستشفه مِن الكلام السابق وهو أنّ الحاظر مقدم على المبيح.

والشيء الثاني: أنّ هذا التقييد معناه الاستدراك أو لنقل بما هو ألطف من ذلك معناه أنه شبه استدراك على استثناء الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وبدون حجة قوية ملزمة: لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم وإلا مقرونا بغيره. هذا أعتبره شبه استدراك، على من؟ على أفصح مَن نطق بالضاد، وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان حديث (أنا أفصح مَن نطق بالضاد) من حيث الرواية لا أصل له، لكن مِن حيث الواقع لا شك أنه -عليه الصلاة والسلام- أفصح من نطق بالضاد، وإذا كان الأمر كذلك فالاستدراك عليه بمثل هذا الاستثناء الثاني -لا تصوموا يوم السبت إلا فيما أفترض عليكم وإلا مقرونا بغيره- تُرى هل مِن شكٍ في أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لو كان يريد هذا الاستثناء الثاني -إلا مقرونا بغيره- أليس يكون أفصح مِن أن يقتصر -عليه السلام- على قوله إلا فيما أفترض عليكم؟ الذين ذهبوا إلى هذا التقدير الثاني الذي استهجن نسبته إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو في المعنى وليس في اللفظ، إنما يحتجوا بحديث جويرية كما دخل عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي صائمة يوم الجمعة قال لها: «أَصُمتي أمس». قالت: لا. قال لها: «تريدين أن تصومي غدا». قالت: لا، قال لها: «فأفطري»، وكذلك حديث مسلم: «لا تختصّوا ليلة الجمعة بقيام ولا نهارها بصيام، ولكن صوموا يوما قبله أو يوما بعده» والجواب على هذا: أظن -أيضاً- سبق فيما تقدّم من الكلام؛ إنّ هذا الحديث يبيح صيام السبت إذا ما صام الإنسان يوم الجمعة، فهنا يعترضنا صورتان تتعلقان في صيام السبت:

إما أن يكون قد صام يوم الجمعة: فحينئذ تنفيذاً لهذا الأمر لا بدَّ أن يصوم يوم السبت.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير