والصورة الأخرى: أن يصوم يوم السبت ومعه الأحد وليس معه الجمعة، هذه الصورة الثانية لا دليل عليها إطلاقا؛ صيام يوم السبت وصيام يوم الأحد، أما صيام يوم السبت مِن أجل الخلاص أو التخلص من صيام يوم الجمعة المنهي صومه مفرداً، فهذا فيه هذا الحديث، فلو كان لنا أن نقف عند هذا الحديث ولا نطبّق القاعدة السابقة -ولا بد منها- وهي أن هذا يبيح لمن يريد أن يصوم يوم الجمعة أن يصوم يوم السبت، لكنّ الحديث الذي نحن بصدد شرحه والكلام عليه قلنا أنه حاظر، والحاظر مقدّم على المبيح، فلو أردنا أن نُعمل حديث جويرية -وما في معناه- إعمالا خاصاً، حينئذ لا ينبغي أن نضرب حديث النهي عن صوم يوم السبت مطلقاً، وإنما نقول نستثني -أيضاً- هذه الصورة الخاصة وهي صيام يوم الجمعة مع يوم السبت.
هذا إذا لم يمكن وإذا لم يمكن تطبيق قاعدة الحاظر مقدم على المبيح، وذلك ممكن.
أنا قلت أخيراً، وأكرر ما قلت: «حديث صوموا يوما قبله ويوما بعده»، قلت إذا لم نعمل قاعدة الحاظر مقدم على المبيح تبقى هذه الجزئية خاصة، وهو أن يصوم يوم السبت، أما جاء يوم عرفة وما صمنا شيئاً فنصوم يوم عرفة واليوم يوم سبت؟ الجواب: لا، الحاظر مقدم على المبيح.
لكني ينبغي أن أقول: مَن سلّم بهذا فينبغي أن يُسلّم -أيضاً- بخلاف ما ذكرت آنفا وأنا أجبت عنه، قلت آنفا يمكن أن يقال: أن صوم يوم الجمعة مع يوم السبت مستثنى، طيب، لكن هل هذا تخريج صحيح مِن الناحية العلمية الأصولية؟ الجواب: لا، لأن الإذن بصوم يوم السبت مع الجمعة هو إذنٌ وليس من باب الإيجاب، واضح إلى هنا، وإذا الأمر كذلك فلا فرق بين أن تصوم يوم عرفة، أو يوم عاشوراء يوم السبت، وبين أن تصوم يوم السبت مع يوم الجمعة؛ لأن كل هذه الصيامات -إذا صح التعبير- داخلٌ في الإباحة وفي الإذن، وإذا تعارض المباح أو المبيح مع الحاظر، قُدِّم الحاظر على المبيح.
. . . . أنا أجيب لك صورة إنسان يريد أن يصوم يوم الجمعة وهو يعلم أن بعده يوم السبت زائد يعلم أن يوم السبت منهي عن صيامه، أيجوز له أن يصوم يوم الجمعة ليتبعه بصيام يوم السبت وهو مستحضر أنه قد نُهي عن صيام يوم السبت؟ واضح هذا السؤال؟ وأظن الجواب: أنه لا يجوز له.
وقال -رحمه الله- في شريط آخر:
ما هي القاعدة التي يستندُ إليها العلماء في مثل هذا الموقف؟ صوم يوم الاثنين لوحده مشروعٌ، وبخاصة إذا جاء حتى الترتيب الذي جرى المعتاد أن يفطر يوماً وأن يصوم يوماً، ما هي القاعدة التي جرى عليها العلماء؟ هي (الحاضر مقدم على المبيح).
فالآن لا شجاعة ولا بطولة علمية أن نكثّر الأمثلة لضرب حديث: «لا تصوم يوم السبت» فنقول -مثلاً-:
اتفق أن يوم السبت كان يوم عاشوراء لا نصومه؟ خسارة كفارة سنة.
اتفق أن يوم عرفة يوم سبت، لا نصومه، خسارة كفارة سنتين، كذلك الأيام البيض ونحو ذلك.
الجواب: (الحاضر مقدم على المبيح)، ثلاثة الأيام البيض اتفق أنه يوم سبت: دعه، عاشوراء يوم السبت: دعه، عرفة يوم السبت: دعه، ولستَ بالخاسر، وهذه يجب أنْ نتنبه لها، لماذا؟ لأنك أولاً وقفت عند نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المؤكَّد حيث قال: «لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ولو لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة فليمضغه»، هذا تأكيد للنهي، وأنكَ يجب عليك يوم السبت أن تؤكد للناس أنك مفطر، ولو كان يوم فضيلة في الأصل، اتفق عاشوراء مع السبت، عرفة مع السبت، يوم من الأيام البيض مع السبت، إلى آخره، فأنت تدع صيام هذا اليوم وقوفاً مع نهي الرسول -عليه السلام- عنه، فهل نتصور مَن قدم (الحاظر على المبيح) أنه خَسِرَ؟ ففكروا في المثال الأول؛ يوم الاثنين يوم عيد فهل نصومه؟ لا، هل خسر؟ الجواب: لا، لِمَ؟ احفظوا هذا الحديث مَن كان منكم لا يحفظه، وليتذكره من كان يحفظه ألا وهو قوله -عليه السلام-: «من ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه»، الذي ترك صيام يوم الاثنين لموافقته يوم عيد، وامشوا بالأمثلة ما شئتم، هل هو خسر أم ربح؟ الجواب: ربح، لماذا؟ لأنه كان ناوياً أنْ يصوم هذا اليوم لو لا أنه جاء النهي عن صيام هذا اليوم، فقُدِّم النهي على المبيح.
فإذن؛ يصدق على كلّ من ترك صيام يوم له فضيلة خاصة؛ لأنه اتفق أنَّه كان يوم سبت، فحينئذ يصدق عليه قوله -عليه السلام-: «من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه».
¥