فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْت مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ أَعْلَمَ أَنَّ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْئًا.
} رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ.
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ: {أَرَدْت أَنْ يَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ}.
وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ يَقِفُ عَلَى الْفَسْخِ، فَوَقَفَ عَلَى الْإِجَازَةِ، كَالْوَصِيَّةِ وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ} وَقَالَ: {إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ}، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ.
إلَّا أَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ: هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ؛ مِنْ الطَّلَاقِ، وَالْخُلْعِ، وَاللِّعَانِ، وَالتَّوَارُثِ، وَغَيْرِهَا، فَلَمْ يَنْعَقِدْ، كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ.
فَأَمَّا حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مُرْسَلٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، رَوَاهُ النَّاسُ كَذَلِكَ، وَلَمْ يَذْكُرُوا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَهُ أَبُودَاوُد ثُمَّ يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ الَّتِي قَالَتْ: زَوَّجَنِي مِنْ ابْنِ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ.
فَخَيَّرَهَا لِتَزْوِيجِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْئِهَا، وَهَذَا يُثْبِتُ الْخِيَارَ وَلَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وَالْوَصِيَّةُ يَتَرَاخَى فِيهَا الْقَبُولُ، وَتَجُوزُ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَهِيَ مَعْدُولٌ بِهَا عَنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِوُضُوحِهَا.
فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّ الشَّهَادَةَ تُعْتَبَرُ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا شَرْطٌ لَهُ، فَيُعْتَبَرُ وُجُودُهَا مَعَهُ، كَالْقَبُولِ، وَلَا تُعْتَبَرُ فِي الْإِجَازَةِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَقْدٍ، وَلِأَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ، اسْتَنَدَ الْمِلْكُ إلَى حَالَةِ الْعَقْدِ، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي الْعَقْدِ نَمَاءُ مِلْكٍ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، لَا مِنْ حِينِ الْإِجَازَةِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِجَازَةِ، لَمْ يَرِثْهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَصِحَّتِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، إنْ كَانَ مِمَّا لَوْ رُفِعَ إلَى الْحَاكِمِ أَجَازَهُ، وَرِثَهُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَلْزَمُهُ
انتهى
وفي الموسوعة الفقهية
حُكْمُ إنْكَاحِ الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
إلَى أَنَّهُ إذَا زَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْوَلِيُّ الْأَبْعَدُ مَعَ حُضُورِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ; لِأَنَّ الْوَلِيَّ الْأَقْرَبَ اسْتَحَقَّ الْوِلَايَةَ بِالتَّعْصِيبِ فَلَمْ تَثْبُتْ لِلْأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ كَالْمِيرَاثِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ
إلَى أَنَّ إنْكَاحَ الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْوَلِيِّ الْأَقْرَبِ فَلَهُ الِاعْتِرَاضُ وَالْفَسْخُ مَا لَمْ يَرْضَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً كَقَبْضِهِ الْمَهْرَ مَثَلًا , وَمَا لَمْ يَسْكُتْ حَتَّى تَلِدَ أَوْ تَحْبَلَ. فَإِنْ رَضِيَ الْوَلِيُّ الْأَقْرَبُ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً , أَوْ سَكَتَ حَتَّى تَلِدَ أَوْ تَحْبَلَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقُّ الِاعْتِرَاضِ وَالْفَسْخِ , وَذَلِكَ لِئَلَّا يَضِيعَ الْوَلَدُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ , فَإِنَّ بَقَاءَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ عَلَى تَرْبِيَتِهِ أَحْفَظُ لَهُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ
إلَى أَنَّ النِّكَاحَ يَكُونُ صَحِيحًا إذَا عَقَدَهُ الْأَبْعَدُ مَعَ وُجُودِ الْأَقْرَبِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَقْرَبُ مُجْبِرًا , فَإِنْ كَانَ مُجْبِرًا - وَهُوَ عِنْدَهُمْ الْأَبُ وَوَصِيُّهُ - فَلَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ
انتهى
¥