قال النووي وقد أجاب على هذا الإشكال " قال القاضي أبو الطيب وجواب أخر وهو أن قوله تعالى " فمن تمتع " شرط , وقوله تعالى " فما استيسر من الهدي " جزاء الشرط وقوله تعالى " ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام " بمنزلة الاستثناء وهو عائد إلى الجزاء دون الشرط كما لو قال: من دخل الدار فله درهم إلا بني تميم , أ و قال ذلك ممن لم يكن من بني تميم فإن الاستثناء يعود إلى الجزاء دون الشرط واحتج الإمام النووي بأن من تمتع لا هدي عليه هو ظاهر الآية.
وأجاب بأن الكلام في ذلك لمن لم يكن بمعنى على القول " إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم " وهذا ما أشار إليه القرطبي في تفسيره.
وأما مذهبنا وما ذكره الأصحاب فقد ذهبوا إلى أنه لا دم على المتمتع من حاضري المسجد الحرام.
قال ابن قدامة " أما المكي فلا يجب عليه دم متعة بحال ".
وعندما ذكر ابن مفلح شروط دم المتعة قال: " الخامس ألا يكون من حاضري المسجد الحرام ... " وهذا ما ذكر في الروض المربع وغيره.
المسألة الخامسة: هل على أهل مكة وحاضري المسجد الحرام رملٌ في الطواف:
في هذه المسألة لم أقف على من تكلم في هذا الموضوع أو هذه المسألة سوى ابن قدامه والشيخ منصور البهوتي والشيخ ابن عثيمين.
ذكر ابن قدامه أن هذا قول ابن عباس وابن عمر وكان ابن عمر إذا أحرم من مكة لم يرمل وهذا لأن الرمل شرع في الأصل لإظهار الجلد والقوة لأهل البلد وهذا المعنى معدوم في أهل البلد والحكم في من أحرم من مكة حكم أهل مكة , قال أحمد " ليس على أهل مكة رمل " عند البيت ولا بين الصفا والمروة.
وهذا مثل ما ذكره صاحب الروض في أن ليس إلا على الأفقي والأفقي هو الذي أحرم من بعيد عن مكة أو من كان بينه وبين مكة مسافة قصر.
المسألة السادسة: حكم الجمع والقصر لأهل مكة وحاضري المسجد الحرام في عرفة ومزدلفة:
اختلف العلماء في ذلك فمنهم من يرى القصر والجمع لأهل مكة وهو مذهب الإمام مالك واختيار شيخ الإسلام وهو أحد الأقوال في مذهب الشافعي.
وذهب الإمام الشافعي وأحمد أنه أهل مكة لا يقصرون ولا يجمعون الصلاة.
وذهب الإمام أبي حنيفة أن أهل مكة يجمعون وليس عليهم قصر.
أدلة أصحاب القول الأول:
قال شيخ الإسلام: وكذلك يجمعون الصلاة بعرفة ومزدلفة ومنى كما كان أهل مكة يفعلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومزدلفة ومنى وكذلك كانوا يفعلون خلف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما , ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه أحد من أهل مكة أن يتموا الصلاة ولا قالوا لهم بعرفة ومزدلفة ومنى أتموا صلاتكم فأنا قوم سفر ومن حكى ذلك عنهم فقد أخطأ ولكن النقول عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك في غزوة الفتح الحاصل بهم بمكة.
القول الثاني: ذكر النووي أن هذا القول مذهب الجمهور أنه إذا كان الإمام مسافر فصلى بهم الظهر والعصر يوم عرفة قاصراً قصر خلفه المسافرون سفراً طويلاً ولزم المقيمين الإتمام ثم ذكر احتجاج مالك في الموطأ أن عمر بن الخطاب لما قدم مكة صلى بهم ركعتين ثم انصرف فقال يا أهل مكة أتموا صلاتكم فأنا قوم سفر ثم صلى عمر ركعتين ولم يبلغني أنه قال لهم شيء. قال النووي وهذا دليل لنا لا له لأنه يحتمل أنه قال أيضاً في منى , ولم يبلغ مالكاً ويحتمل أنه ترك اكتفاء بقوله في مكة إذ لا فرق بينهما في حق أهل مكة.
قال الشوكاني " وذكر أصحاب الشافعي: أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشرة فرسخاً إلحاقاً له بالقصر , قال: وليس بصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر فقال: " أتموا فإنا سفر " ولو حرم الجمع لبينه لهم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة " إذا الشوكاني كأنه يميل إلى القول الثالث.
القول الثالث: وهو التفصيل فإن أهل مكة عليهم جمع ولا يقصرون الصلاة.
قال ابن قدامه في الجمع " وذكر أصحابنا أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخاً إلحاقاً بالقصر وليس بعد فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع فجمع من معه من المكيين ولو حرم الجمع لبينه لهم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز , ثم قال وذكر ابن قدامه " وقد كان عثمان يتم الصلاة لأنه أتخذ أهلاً ولم يترك الجمع وكان الزبير بمكة وقال ابن مليكة: وكان ابن الزبير يعلمنا المناسك فذكر أنه قال: إذا فاض , فلا صلاة إلا بجمع.
ثم ذكر في قصر الصلاة فقال فلا يجوز لأهل مكة وبهذا قال عطاء ومجاهد والزهري وابن جريج والثوري ويحيى القطان والشافعي وأصحاب الرأي وابن المنذر , وأظن أن سبب الخلاف هو ما هو سبب الجمع والقصر فإن كان نسك كان لأهل مكة الجمع والقصر وإن كانوا مسافرين ليس لهم القصر والجمع ولكن قد يجوز الجمع كما استدل به ابن قدامه.
هل على أهل مكة طواف وداع وحاضري المسجد الحرام؟
هناك خلاف هل حاضري المسجد الحرام مثل أهل مكة ومن كان بالحرم هل يكون مثل المكي.
ابن قدامه جعل من كان في أحرم مثل المكي لا وداع عليه ثم قال ومن كان منزله خارج الحرم فظاهر كلام الخرفي أنه لا يخرج حتى يودع البيت وهذا قول أبي ثور وقياس قول مالك وأما الحنفية فإنهم كما ذكر ابن قدامه أن أهل المواقيت بمنزلة أهل مكة في طواف الوداع لأنهم معدون أنهم من حاضري المسجد الحرام بدليل سقوط دم المتعة عنهم ثم ولنا عموم قوله صلى الله عليه وسلم " لا ينفرن أحد حتى يكون أخر عهده بالبيت " ولإنه خارج من مكة فلزمه التوديع ".
إذا ابن قدامه لا يجعل على أهل مكة وأهل الحرم أما من كان بعيد عن مكة فإنه عليه طواف وداع.
الخاتمة:
أسأل الله العظيم أن ينفعنا بما تعلمناه وبحثناه في هذا البحث وأن يجعله خالصاً
لوجهه الكريم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...
¥