تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولا لإنكار منكر.

ومن ذلك أيضًا ما جاء في قوله تعالى: "وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ" [النور:31]. فقد جاء النهي في هذه الآية عن ضرب النساء أرجلهن بالأرض، لكي لا يظهر صوت الخلخال، الذي يلبسه بعضُ النساء في سيقانهن من حلق الذهب والفضة ونحوها. فإلى هذا الحدّ بلغ سدّ الإسلام لكل ما يمكن أن يكون ذريعةً للفاحشة، وهو وارد في النصّ الصريح من كلام الله عزّ وجلّ؛ فلا مجال لإنكاره ولا للنزاع فيه. ولكل عاقل أن يتفكّر في هذا التحريم الوارد في كتاب الله تعالى، وأن يسمح لخياله بأن يتصوّر الأثر الذي يُحدثه صوت خلخال المرأة المتحجبة الحجاب الكامل، إذا ما سمعه الرجل الأجنبي عنها. وأن يزن هذا الأثر بغيره من وسائل الإغراء والإغواء، فهل سيأتي صوت قرقعة الخلخال في أعلاها أثرًا أم في أدناها؟! مع ذلك حرّمه الله تعالى من فوق سبع سموات!!

ومن المعلوم أن الله تعالى لا يحرم شيئًا لسبب، ثم يبيح شيئًا آخر وُجدَ فيه سببُ التحريم نفسه؛ لأن هذا تناقضٌ وخَلَلٌ، لا تقبله القوانين الوضعية البشرية، فضلا عن التشريع الإلهي الكامل.

ومعنى ذلك: أن الله تعالى لا يمكن أن يكون قد حرّم الخضوع بالقول والتكسُّرَ في المشي وضَرْبَ الأرجل لإظهار صوت الخلخال؛ سدًّا لكل ذريعة تُوقع في فاحشة الزنا، ثم يبيح ذريعةً أقوى إليها!

كما أن جميع العقلاء يعلمون أن النهي عن شيءٍ يتضمّنُ النهي عن كل ما حقق مفسدته، فإن كان تحقُّقُ مفسدته بالأمر الآخر أظهر وأقوى، كان حظُّه من التحريم أكبر، وفيه يقول العقلاء: هو حرامٌ من باب أولى. إذ ما زال الناس يتندّرون بفهمِ من قال: إن قول الله تعالى: " فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ" [الإسراء:23]، لا يدل على تحريم ضرب الوالدين؛ لأن هذا الفهم بلغ من البعد عن الصواب حدَّ الطُّرَف والنوادر. فمازال العقلاء يرفضون ذلك الفهم البعيد الرفضَ كله، مع أن ضرب الوالدين لم يرد فعلا في نصّ الآية؛ فلماذا كان هذا هو موقفهم؟ ولماذا كان ذلك الفهم سقيماً عندهم غاية السقم؟! الجواب هو ما قدمت به هذا الكلام: وهو أن جميع العقلاء يعلمون أن النهي عن شيءٍ يتضمّنُ النهي عن كل ما حقق مفسدته، فإن كان تحقُّقُ مفسدته بالأمر الآخر أظهر وأقوى، كان حظُّه من التحريم أكبر، وفيه يقول العقلاء: هو حرامٌ من باب أولى.

وهذا المعنى وسابقه هو ما نريد أن نطبّقه على الاختلاط المحرّم، ولا يصحّ أن يخرج الكلام عن الاختلاط المحرّم عن قانون العقل الذي رأينا العقولَ كلَّها تأتلف عليه.

أقول ذلك لأقدِّمَ به الحديث عن موضوع الاختلاط بين الرجال والنساء، والذي وجدتُ بعضَ الناس فيه بين طرفي نقيض، وقليلٌ منهم من توسّط.

فمن الناس من أباح الاختلاط بكل صُوَرِه، أو بعامتها، حتى تلك الصور التي ما يشك عاقلٌ أنها أولى بالتحريم من الخضوع بالقول وإظهار صوت الخلخال؛ لأنها أقوى منهما في تيسير الوقوع في الفاحشة. بل ربما تجاوز في ذلك حتى أباح ما جاء النص بتحريمه من صُور الاختلاط، كالخلوة بالمرأة الأجنبية، التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ؛ إلا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ" [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَخْلُوَنَّ أحدكم بِامْرَأَةٍ؛ فإن الشَّيْطَانَ ثَالِثُهُمَا" [أخرجه الإمام أحمد رقم114، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والضياء].

ومن الناس من أفرط في جانب منع الاختلاط، حتى منع أو حرّم ما أباح الله تعالى: مثل أن تخرج المرأة لحاجتها في سوق لبيع أو شراء، أو نحوه من حاجاتها، ولو كانت متحجّبة محتشمة. حتى ربما تجاوز بعضهم في ذلك فمنعها مما جاء النص يمنع من منعهن إياه، كالخروج إلى المسجد للعبادة، وفي حديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: كانت امْرَأَةٌ لِعُمَرَ تَشْهَدُ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالعِشَاءِ في الجَمَاعَةِ في المسْجِدِ، فَقِيلَ لها: لِمَ تَخْرُجِينَ وقد تَعْلَمِينَ أَنَّ عُمَرَ يَكْرَهُ ذلك، وَيَغَارُ؟ قالت: وما يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْهَانِي؟ قال: يَمْنَعُهُ قَوْلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ الله مَسَاجِدَ الله" [متفق عليه]، وجاء في رواية عند الإمام مسلم: أن ابنًا لعبد الله بن عمر قال: والله لَنَمْنَعُهُنَّ، فقال له عبد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير