تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الله: أَقُولُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَتَقُولُ أنت لَنَمْنَعُهُنَّ؟!!

وهذا يبين أن خروج النساء إلى مكانٍ فيه رجال (وهو المسمى بالاختلاط) ليس كله مباحًا ولا كله بالمحرّم، فلا يصح منع كل صوره؛ لأنه يخالف ما عرفناه يقينًا من حياة الصحابيات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم من حضور المجامع العظيمة في المساجد وغيرها، ومن خروجهن لحاجاتهن من بيوتهن ومرورهن بالأماكن التي فيها رجال. كما لا يصح إباحته كله؛ لأن بعض صور الاختلاط تتعارض مع النصوص (كالخلوة)، وبعضها الآخر مفسدته أوضح من بعض ما جاءت النصوص بتحريمه، مما سبق ذكر أمثلة له: كالخضوع بالقول، والضرب بالأرجل ليظهر صوت الخلاخيل.

وقد جاءت السنة تبيّن هذه الحقيقة، وهي حقيقة أن الاختلاط منه ما يحرم ومنه ما لا يحرم: فمن المعلوم أن خروج المرأة إلى المسجد جائز (وسبق الحديث في ذلك)، مع أن المسجد مجمعٌ للرجال، فهذا نوعٌ من الاختلاط. لكنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نظّمَ هذا الاجتماع بيّنَ الرجال والنساء، لكي لا تحصل مفاسده: فأولا: جعل صفوف الرجال وحدها، وصفوف النساء وحدها؛ وهذه أول خطوة لمنع مفاسد الاختلاط. وثانيا: جعل صفوف الرجال هي الأولى، وصفوفَ النساء هي الأخيرة؛ لكي لا تقع عين الرجال على النساء أثناء الصلاة. وثالثًا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُها وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُها" [أخرجه مسلم]؛ لكي يوضِّحَ المعنى المقصود من هذا الفصل بين الجنسين، ولكي يضع قاعدةً للاحتياطات التي ينبغي أن تُتّخذ لمنع مفاسد اجتماع الرجال والنساء في مكانٍ واحد، وهي الحرص على التباعد بينهما. ورابعًا: تأخُّر انصراف الرجال من المسجد، حتى يسبقهن النساء في الخروج منه؛ لكي يمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم من تزاحم النساء مع الرجال على الأبواب عند الخروج. كما جاء في حديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سَلَّمَ، قام النِّسَاءُ حين يَقْضِي تَسْلِيمَهُ، وَيَمْكُثُ هو في مَقَامِهِ يَسِيرًا، قبل أَنْ يَقُومَ. قال نَرَى (وَالله أَعْلَمُ) أَنَّ ذلك كان لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قبل أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ من الرِّجَالِ». [أخرجه البخاري في صحيحه].

وقد فَهِمَ الصحابةُ رضي الله عنهم فقهَ هذا الباب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا لمّا كثُرَ المسلمون في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وخشي عُمر من تزاحم الرجال والنساء على أبواب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الدخول، بعد أن نظّم رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج، كما سبق= خصّصَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بابًا لدخول النساء وحدهن، ونهى الرجال من الدخول منه. كما في حديث عبد الله بن عمر عن أبيه، الذي أخرجه أبو داود في سننه [رقم463 - 465]. حتى إن ابن عمر لم يدخل من باب النساء قط بعد أن نهى عمر من دخول الرجال منه، حتى مات ابن عمر رضي الله عنهما.

وأُذكِّر هنا: بأن هذه الاحتياطات كلّها لمنع مفاسد الاختلاط قد وقع الاحتياطُ بها بين أطهر جيلٍ وأكرم ناسٍ خُلُقًا وأكملهم دينًا، وهو جيل الصحابة رضي الله عنهم وحوارِيُّو المصطفى صلى الله عليه وسلم. وليس هذا فقط، بل في حياة سيد الأولين والآخرين وإمام الأنبياء والمرسلين محمدٍ صلى الله عليه وسلم. وليس هذا فقط، بل في حضرته صلى الله عليه وسلم، وأثناء وقوف أصحابه بين يديه؛ مع ما هم عليه رضي الله عنهم من إجلالٍ له صلى الله عليه وسلم، وهيبةٍ وعظيم توقير. وليس ذلك في أي حضرة للنبي صلى الله عليه وسلم، بل في مسجده الشريف الذي عظّمه الله تعالى وكرّمه وخصّه بالفضائل. وليس في مسجده صلى الله عليه وسلم فقط، بل أثناء أداء الصلاة التي هي مقام العبد أمام ربّه عز وجلّ، والتي كان الصحابة رضي الله عنهم أكثر الناس إدراكًا منها لهذه المعاني الجليلة وأعظمهم استحضارًا لها في قلوبهم. ومع ذلك كلِّه .. تُتّخَذُ تلك الاحتياطات كلُّها، خشيةً من وقوع الافتتان بين الرجال والنساء.

فينبغي على كل مسلم عند حديثه عن موضوع الاختلاط، أن يستحضر تلك الاحتياطات النبوية له، وأن يزن بها ما يريد أن يقول ويفعل، أين هو منها بُعدًا أو قُربًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير