تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

القول الثاني: يشرع صيام عاشوراء وجوبا، وأن وجوبه باقٍ لم ينسخ، نقله القاضي عياض في الإكمال (4/ 40) عن بعض السلف، وقال: "وقد انقرض القائلون بهذا وحصل الإجماع على خلافه ".

- ودليلهم على الفرضية الأحاديث الواردة في الأمر به منها حديث أبي موسى- رضي الله عنه- في الصحيحين، وفيه أنه قال: كان يوم عاشوراء تعده اليهود عيدا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فصوموه أنتم»، ومأخذ الحكم من قوله: «صوموه»، فهذا أمر، والقاعدة في الأصول: [أن الأمر المطلق للوجوب]، ودليل بقاء الفرضية استصحاب الأصل الذي هو الإحكام (أي عدم النسخ)، فالقاعدة في الأصول: [أن الأصل في النصوص الإحكام]، والقاعدة في الأصول: [أن الاستصحاب حجة في الشريعة].

قال مقيده- عفا الله عنه-: القول بالوجوب قول ضعيف جدا، فقد أخرج الشيخان عن حميد بن عبد الرحمن، أنه سمع معاوية بن أبي سفيان، خطيبا بالمدينة - يعني في قدمة قدمها - خطبهم يوم عاشوراء، فقال: أين علماؤكم؟ يا أهل المدينة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول - لهذا اليوم - «هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب الله عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن أحب منكم أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر»، فهذا الحديث صريح في عدم الوجوب من وجهين:

- الوجه الأول: أنه نفى الكتب، والكتب بمعنى الإيجاب والإلزام لغة, والقاعدة في الأصول: [أن اللغة العربية معتبرة في تفسير كلام الشارع].

- الوجه الثاني: أنه تضمن التخيير بين الفعل والترك، والقاعدة في الأصول: [أن التخيير يدل على عدم الوجوب]، وذلك من جهة أن الوجوب إلزام والتخيير ينافيه، وفي الحقيقة الوجه الثاني في الحديث فرع عن الأول، ولهذا رتبه النبي صلى الله عليه وسلم بالفاء، وذلك في قوله: «فمن شاء»، وبناء على ذلك فهذا الحديث صارف للأمر الوارد في حديث أبي موسى رضي الله عنه.

وقال جماعة من العلماء أن صيامه كان فرضا ثم نسخ، [مذهب الحنفية, ووجه عند الشافعية "انظر: الفتح لابن حجر (4/ 103) "، ورواية عن أحمد، اختارها الحافظ ابن تيمية، " انظر: الإنصاف للمرداوي (3/ 346) "، وهو مذهب المالكية، وجزم به الباجي منهم."انظر: المنتقى للباجي"]:واستدلوا على ذلك بحديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين، وفيه أنها قالت: كانت قريش تصوم عاشوراء في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما هاجر إلى المدينة، صامه وأمر بصيامه، فلما فرض شهر رمضان قال: «من شاء صامه ومن شاء تركه».

-وجه الدلالة من الحديث أقرره لهم فأقول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به، والقاعدة في الأصول: [أن الأمر المطلق يقتضي الفرضية والوجوب]، والتخيير حاصل بعد الأمر فلا يكون صارفا له، إذ قد ثبت مقتضاه (أي الوجوب) قبل ذلك، فقوله المتضمن للتخيير حينئذ رافع لمقتضى الخطاب السابق، وهذا حد النسخ عند الأصوليين.

- ويجاب عن ذلك: بأن حديث معاوية-رضي الله عنه- يقتضي عدم سبق فرضية، ومن ثم لا نسخ، ووجه ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولم يكتب عليكم» فهذا خبر منه بنفي سبق الفرضية والإيجاب، النفي مستفاد من قوله: «لم»، والفريضة والإيجاب مستفادة من قوله: «يكتب»، والأسبقية مستفادة من قوله: «لم يكتب»، فإن "لم" حرف جزم ونفي وقلب على ما تقرر في العربية، والمراد بالقلب تحويل الفعل المضارع المفيد للحال إلى إفادة المضي، إذا تقرر ذلك فلا نسخ، والقول بعدم وجوب صومٍ قبل رمضان مذهب الجمهور والمشهور عند الشافعية [انظر الفتح لابن حجر-رحمه الله- (4/ 103)].

(تنبيه: استشكل بعضهم حديث أبي موسى رضي الله عنه حيث جاء فيه أن اليهود كانت تعد يوم عاشوراء عيدا، وقال: كيف يستقيم ذلك مع أنه جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنه في الصحيحين أن اليهود كانت تصومه؟

ج/أنه لا دليل على أنه يحرم عليهم في العيد الصيام، فلا تعارض بين الأمرين، وما زعمه بعضهم من أنه يلزم من كونه عيدا الفطر، وأنه أمر بصيامه مخالفة لهم حيث جعلوه عيدا، فهذا غلط بين لأن فيه إغفالا لحديث ابن عباسٍ الصريح فصيامهم له.)

- فإن قيل: ما توجيه حديث عائشة - رضي الله عنها - السابق، والذي أوهم النسخ؟

الجواب: قال جماعة: نسخ تأكد استحبابه [انظر الفتح لابن حجر-رحمه الله-].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير