تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال مقيده - عفا الله عنه -: هذا التوجيه ليس بشيء، وتأكد استحبابه باقٍ، ولاسيما مع استمرار الاهتمام به حتى في عام وفاته - صلى الله عليه وسلم- حيث قال: لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع، ولترغيبه في صومه وأنه يكفر سنة، وأي تأكيد أبلغ من هذا، والصحيح أن يقال في حديث عائشة-رضي الله عنها- أنها سمعت البيان بالتخيير من النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد رمضان (ملاحظة لا يلزم من هذا عدم علمها بالبيان قبل ذلك) فروته، وهو بيان تأكيدي لا ابتدائي جمعا بينه وبين حديث معاوية رضي الله عنه.

- وأخرج الشيخان في صحيحيهما عن نافع- رحمه الله - أنه قال: وكان عبد الله - يعني ابن عمر - لا يصومه إلا أن يوافق صومه، ونقل جماعة منهم ابن عبد البر في الاستذكار (10/ 133) عن ابن عمر القول بكراهة قصده بالصيام، فهل يستفاد من هذا كراهة صيام عاشوراء؟

الجواب: لا, وذلك لثلاثة أوجه:

1 - أنه مذهب صحابي، والقاعدة في الأصول: [أن مذهب الصحابي ليس بحجة في إثبات الأحكام الشرعية]، وهي قاعدة أصولية خلافية، والصحيح فيها – عندي - ما تقدم، وليس هذا مقام تثبيتها.

2 - الذي يظهر لي أن من حكى عنه -رضي الله عنه- الكراهة استفاد ذلك من مجرد فعله، وهذه الاستفادة غير صحيحة، لأن القاعدة في الأصول: [أن ترك الفعل لا يقتضي عدم الاستحباب].

3 - أن مذهب الصحابي هنا عارض نصا، ومن يقول بحجية مذهب الصحابي فإنه يشترط لحجيته أن لا يعارض نصا, فالقاعدة عندهم في الأصول: [إذا تعارض مذهب الصحابي مع النص قدم النص]، واختلفوا في النص المقدم عند التعارض؛ قيل مطلقا أي سواء كان النص صريحا أم ظاهرا، وقيل في الصريح فقط، وهنا النص صريح (ترتيب الثواب على الفعل)، فيقدم قولا واحدا.

مسألـ (4) ـة: هل يكره إفراد عاشوراء بالصيام، وهل يحصل الأجر لمن صامه مفردا؟

يكره صيام عاشوراء على صفة الانفراد، ومن صامه عليها يحصل له الثوب المرتب، وهذا مذهب الحنفية والشافعية، [شرح فتح القدير (2/ 303)، مغني المحتاج]، وذهب المالكية والحنابلة إلى عدم الكراهة، [الشرح الكبير للدردير، المبدع لابن مفلح (3/ 52)].

والصحيح في هذه المسألة القول الأول، والدليل على أن من صامه على هذه الصفة يثاب عموم حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - عند مسلم مرفوعا: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عاشوراء، فقال: «يكفر السنة الماضية»، وصيغة العموم: المفرد المضاف في قوله (صوم يوم)، والقاعدة في الأصول: [أن المفرد المضاف يفيد العموم]، فالثواب يشمل صومه منفردا ومقترنا بغيره.

- ويكره إفراده بالصيام؛ لأن فيه تركا لما يثاب المرء على فعله ولا يعاقب على تركه (وهو صيام التاسع)، وهذا حد المكروه عند الأصوليين.

مسألـ (5) ـة: الحكمة من صيام عاشوراء:

جاء في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسئلوا عن ذلك؟ فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون، فنحن نصومه تعظيما له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نحن أولى بموسى منكم» فأمر بصومه.

فظاهر هذا الحديث أن النبي-صلى الله عليه وسلم- إنما صام عاشوراء تعظيما له، حيث أظهر الله - جل وعلا - نبيه موسى- عليه السلام - وقومه على فرعون، قال الإمام ابن عبد البر-رحمه الله - في التمهيد:"فهذا دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصمه أيضا إلا تعظيما له"،

وجاء في رواية أخرى في الصحيحين أن اليهود قالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرا لله، فقال: «أنا أولى بموسى منهم» فصامه وأمر بصيامه، ففي هذه الرواية أن موسى-عليه السلام-صامه، وأن باعثه على الصيام هو الشكر لله تعالى الذي نجاه وأظهره على فرعون وقومه، وأن النبي-صلى الله عليه وسلم-صامه لهذا المعنى، وفيه بيان للإجمال الحاصل في لفظة التعظيم الواردة في الرواية الأخرى.

إذا تقرر ذلك فيشرع صيامه لهذا المعنى، لأن هذا فعل منه صلى الله عليه وسلم، والقاعدة في الأصول: [أن فعله-صلى الله عليه وسلم-للاستحباب].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير