قالوا: ويُسمى التاسع من محرم عاشوراء على عادة العرب في الإظماء، وذلك أنهم: إذا وردوا الماء لتسعة سموه: عِشْرًا؛ وذلك أنهم: يحسبون في الإظماء يوم الورود، فإذا أقامت الإبل في الرعي يومين، ثم وردت في الثالث قالوا: أوردت رِبْعًا. وإذا وردت في الرابع قالوا: وردت خمسًا؛ لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي وأول اليوم الذي ترد فيه بعده".
قال مقيده-غفر الله له-: الجواب عن استدلالهم أن ظاهر هذا الحديث معارض لحديث ابن عباس السابق والذي هو صريح (نص) في عدم إرادة التاسع، والقاعدة في الأصول: [إذا تعارض النص والظاهر قدم النص وأول الظاهر]، أي صرف عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح، فيأول هذا الحديث بأن المراد تقرير مشروعية صيام التاسع لذلك الرجل، وكونه العاشر معلوم من جهة التسمية والاشتقاق فلا حاجة لبيانه، وقوله: (نعم):أي نعم هكذا يصومه لو بقي، لأنه أخبرنا بذلك، ومات قبل صيامه.
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في حاشية السنن: "والصحيح أن المراد صوم التاسع مع العاشر لا نقل اليوم؛ لما روى أحمد في مسنده من حديث ابن عباس يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال خالفوا اليهود صوموا يوما قبله أو يوما بعده، وقال عطاء عن ابن عباس صوموا التاسع والعاشر وخالفوا اليهود ذكره البيهقي، وهو يبين أن قول بن عباس إذا رأيت هلال المحرم فاعدد فإذا كان يوم التاسع فأصبح صائما أنه ليس المراد به أن عاشوراء هو التاسع، بل أمره أن يصوم اليوم التاسع قبل عاشوراء، فإن قيل: ففي آخر الحديث قيل كذلك كان يصومه محمد صلى الله عليه وسلم، قال: نعم فدل على أن المراد به نقل الصوم لا صوم يوم قبله، قيل: قد صرح بن عباس بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع، فدل على أن الذي كان يصومه هو العاشر، وابن عباس راوي الحديثين معا فقوله هكذا كان يصومه محمد أراد به-والله أعلم-قوله لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع عزم عليه وأخبر أنه يصومه إن بقي، قال ابن عباس هكذا كان يصومه، وصدق رضي الله عنه هكذا كان يصومه لو بقي فتوافقت الروايات عن ابن عباس".
- وأما ما ذكروه في الإظماء فالجواب عنه: أنه لا يمكن أن يعتبر في عدد ليالي العشر وأيامه ما يعتبر في الاظماء، لأنهم ذكروه فيه فقط فلا يعدى لغيره، إذ الأصل السماع، والقاعدة في الأصول: [أن القياس في اللغة ممنوع ما لم ينص العرب على الجامع].
- إذا تقرر ذلك فالراجح في هذه المسألة القول الأول لما تقدم تقريره.
وقد قلت في صدر الكلام حكي عن ابن عباس-رضي الله عنه- ولم أجزم لأمرين اثنين:
1 - أن هذه النسبة أخذت من هذا الخبر، وتقدم أنه ليس بصريح في أنه عاشوراء هو التاسع، وعارضه ما هو صريح.
2 - ما أخرجه عبد الرزاق-رحمه الله-في المصنف بسند صحيح عن ابن عباس-رضي الله عنه-أنه قال: (خالفوا اليهود وصوموا التاسع والعاشر).
فظاهر هذا الأثر أن ابن عباس-رضي الله عنه- يرى أن عاشوراء هو العاشر، ولهذا أمر بصيام التاسع لتتحقق المخالفة لليهود، ولو كان يرى أنه التاسع لما أمر بصيام العاشر لتحققها بدونه.
* (قال بدر الدين العيني-رحمه الله-في عمدة القاري: "وفي (تفسير أبي الليث السمرقندي) عاشوراء يوم الحادي عشر وكذا ذكره المحب الطبري"، وهذا القول قول ساقط جدا، ولهذا أعرضت عن ذكره في المسألة).
مسألـ (7) ـة: حكم صيام التاسع من المحرم:
يشرع صيام التاسع من المحرم مشروعية استحباب، وبهذا قال أكثر أهل العلم، وحكي اتفاقا. [انظر المجموع للنووي -رحمه الله- (6/ 383)].
- واستدلوا على ذلك بحديث ابن عباس-رضي الله عنه- عند مسلم في الصحيح، وفيه أنه قال: (حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع» قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم).
¥